أنواع التوحيد
والتوحيد نوعان:
توحيد في المعرفة والإثبات: وهو توحيد الربوبية، والأسماء، [و] الصفات.
وتوحيد في الطلب والقصد: وهو توحيد الإلهية، والعبادة.
وسمي دين الإسلام توحيدا؛ لأن مبناه على أن الله واحد في ملكه وأفعاله، لا شريك له، وواحد في ذاته لا ند له، وواحد في ألوهيته وعبادته.
وإلى هذه الأنواع الثلاثة ينقسم توحيد الأنبياء والرسل الذين جاؤوا به من عند الله، وهي متلازمة، فكل نوع منه لا ينفك عن الآخر.
فمن أتى بنوع منها، ولم يأت بالآخر، فما ذلك إلا لأنه لم يأت به على وجه الكمال المطلوب.
[ ص: 59 ]
قال
ابن القيم:
الأولى -يعني: توحيد المعرفة-: هو إثبات حقيقة الرب تعالى، وصفاته، وأفعاله، وأسمائه، وتكلمه بكتبه، وتكليمه لمن يشاء من عباده، وإثبات عموم قضائه، وقدره، وحكمته.
وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح كما في أول «الحديد»، و«طه»، وآخر «الحشر»، وأول «الم تنزيل السجدة»، وأول «آل عمران»، وسورة «الإخلاص»، وغير ذلك.
والثاني -يعني: توحيد الطلب، والقصد: هو ما تضمنته سورة: «قل يا أيها الكافرون»، وقوله:
قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا [آل عمران :64]، وأول سورة «تنزيل الكتاب»، وآخرها، وأول سورة «المؤمن»، ووسطها، وآخرها، وأول سورة الأعراف، وآخرها، وجملة سورة «الأنعام»، وغالب سور القرآن.
بل كل سورة فيه هي متضمنة لنوعي التوحيد، شاهدة به، داعية إليه.
فإن القرآن إما خبر عن الله تعالى، وأسمائه وصفاته، وأفعاله، وأقواله: فهو التوحيد العلمي الخبري.
وإما دعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وخلع ما يعبد من دونه: فهو التوحيد الإرادي الطلبي.
وإما أمر، ونهي، وإلزام بطاعته في كل ما يؤتى به، ويذر: فهو من حقوق التوحيد ومكملاته.
وإما خبر عن إكرام أهل التوحيد، وما فعل بهم في الدنيا، ويكرمهم به في الآخرة: فهو جزاء توحيده.
وإما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحل بهم في العقبى من العذاب، والوبال: فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد.
[ ص: 60 ]
فالقرآن كله في التوحيد، وحقوقه، وجزائه، وفي شأن الشرك، وأهله، وجزائهم. انتهى.
قال شيخ الإسلام
ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما جاء يتضمن إثبات الإلهية لله وحده بأن يشهد أن لا إله إلا هو، ولا يعبد إلا إياه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يوالي إلا له، ولا يعادي إلا فيه، ولا يعمل إلا لأجله، وذلك بتضمن إثبات ما أثبته لنفسه من الأسماء، والصفات:
وقال تعالى:
واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون [الزخرف:45].
وأخبر عن كل نبي من الأنبياء أنهم دعوا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
وقال تعالى:
قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله [الممتحنة: 4].
وقال عن المشركين:
إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون [الصافات:36] وهذا في القرآن كثير.