فهذه الآية الشريفة دلت على أن
من ادعى أن عنده علما يعلم به أمرا غيبيا متى شاء ، وفي قدرته أن يعلم بالأمور المستقبلة الآتية ، فهو أكذب الكاذبين ، يدعي له الألوهية التي استأثر بها رب العالمين .
فمن اعتقد في نبي ، أو ولي ، أو جن ، أو ملك ، أو إمام ، أو ولد لإمام ، أو شبح ، أو شهيد ، أو منجم ، أو رمال ، أو جفار ، أو فاتح فال، أو برهمن ، أو راهب ، أو جنية ، أو خبيث : أن له مثل هذا العلم ، وهو يعلم الغيب بعلمه ذلك، فهو مشرك بالله ، وعقيدته هذه من أبطل الباطلات ، وأكذب المكذوبات ، وهو منكر لهذه الآية القرآنية ، وجاحد بها .
ولا تغتر بأن في بعض الأحوال والأوقات يطابق خبر المنجم ، والرمال ، والبرهمن وفأله وطيره الواقع ، ويكون الأمر كما أخبر ؛ فإن ذلك غلط بحت ، ووسواس صرف ، ووهم خالص ، ولا يثبت من هذا علم الغيب لهم .
ألا ترى أن كثيرا من أخبارهم يقع على خلاف حكمهم وخبرهم ؟ فلو كانوا يعلمون الغيب ، لم يكن خبرهم غلط أبدا ، أو الحال أنهم يقولون ما يقولون خرصا وظنا ، فتارة يصح ، وأخرى لا يصح ، بل يكون غلطا ، فأين هذا من ذاك ؟ .
وهكذا شأن الاستخارة المستحدثة ، والكشف ، وفال القرآن المجيد .
نعم ،
وحي الأنبياء -عليهم السلام - لا يتطرق إليه الخطأ والغلط ، وهو ليس في اختيارهم .
فما ظنك بغيرهم من آحاد الخلق ؟ ! بل يخبرهم الله تعالى بما يشاء ، لا على حسب إرادتهم . ويدل لذلك قوله سبحانه :
قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن [الأنعام : 148] ؛ أي : الذي هو محل الخطأ ، ومكان الجهل .
وإن أنتم إلا تخرصون ؛ أي : تتوهمون مجرد توهم فقط ، كما يتوهم الخارص ، وتقولون على الله الباطل .
[ ص: 412 ]