وقال تعالى :
قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون [النمل : 65] .
أي : لا يعلم أحد من المخلوقات الكائنة الثابتة الساكنة المستقرة فيهن ، وهم الملائكة ، والإنس ، ومنهم الرسل ، والجن ، وغيرهم ، الغيب الذي استأثر الله بعلمه ، ولكنه سبحانه يعلم ذلك.
والاستثناء على هذا منقطع ، ورفع ما بعده «إلا » على اللغة التميمية .
وقيل : لا يعلم غيب من فيهما ، ولا يعلم الأشياء التي تحدث فيهما إلا الله .
وقيل : هو استثناء متصل من «من » .
والأولى أولى ؛ لأن الاتصال يقتضي أن الله تعالى من جملة من فيهما ، مع أنه سبحانه بائن عنهما فوق كل شيء ، مستو على عرشه .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وغيرهما من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=665364ثلاث من تكلم بواحدة منهن ، فقد أعظم على الله الفرية ، وقالت في آخره : ومن زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد ، فقد أعظم على الله الفرية ، والله تعالى يقول : قل لا يعلم الآية .
ومعنى آخر الآية : ما يشعر الكفار متى ينشرون من القبور ؛ لأن الشعور بوقت النشر ، وزمان البعث من الأمور الغيبية التي لا علم بها لأحد إلا الله ، بل الأبرار أيضا لا يعلمون بذلك، فضلا عن الفجار والكفار والأشرار .
قال بعض أهل العلم في هذه الآية : إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس : إن
علم الغيب لا يعلمه غير الله ، لا ملك ، ولا آدمي ، ولا جن ، ولا نبي ، ولا غير هؤلاء من البررة والفجرة ، وليس باختيار أحد أن يعلم أمرا غيبيا .
والدليل على ذلك: أن الصلحاء يعلمون بأن الساعة تأتي يوما ، ويؤمنون بذلك، ولكنهم لا يعلمون متى تأتي ، فلو كان العلم بكل شيء في قدرتهم ، لعلموا بذلك أيضا ، ولم يكونوا غير شاعرين بها .
[ ص: 413 ]
فثبت أن العلم بوقت البعث ، وحين النشر خاصة لله تعالى ، لا يشركه فيه أحد من الخلق ، وكذلك بغيره من الأمور المخفية الغيبية التي لم يطلع أحدا عليها .