صفحة جزء
وقال تعالى : يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم [المائدة : 109] أي : [ ص: 423 ] ما الذي رد عليكم قومكم حين دعوتموهم في دار الدنيا إلى توحيدي وطاعتي ؟

وتوجيه السؤال إلى الرسل لقصد توبيخ قومهم وأممهم المشركة .

قالوا صيغة الماضي للدلالة على التحقيق : لا علم لنا هذا تفويض منهم وإظهار للعجز ، وعدم القدرة ، ورد الأمر إلى علمه تعالى .

وقيل : معناه : لا علم لنا بما أحدثوا بعدنا .

وقيل : لا علم لنا بما اشتملت عليه بواطنهم .

وقيل : لا علم لنا بعاقبة أمرهم .

وقيل : غير ذلك، واللفظ أوسع من هذا .

إنك أنت علام الغيوب يعني : إنك تعلم ما غاب عنا من باطن الأمور .

ونحن نعلم ما نشاهد ، ولا نعلم ما في الضمائر ؛ ليس تخفى عليك خافية .

وفي الآية دليل على نفي علم الأنبياء بالغيوب ، إجماعا منهم ، واعترافا به في تجاه الرب تعالى . وإذا لم يعلم الرسل والأنبياء الغيب ، ونفاه عنهم سبحانه ، فمن ذا الذي يدعيه لنفسه أو لأحد منهم مضادا لأخبار الله تعالى ؟

وقال تعالى : وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق [المائدة : 116] .

أشار به إلى أن اتخاذهما إلهين تشريك لهما معك في الألوهية ، لا إفرادهما بذلك.

إذ لا شبهة في ألوهيتك ، وأنت منزه عن الشريك ، فضلا أن يتخذ إلها دونك ، على ما يشعر به ظاهر العبارة ، نبه عليه السعد التفتازاني . إن كنت قلته فقد علمته ، وهذا هو غاية الأدب وإظهار المسكنة لعظمة الله تعالى ، وتفويض الأمر إلى علمه ، وقد علم أنه لم يقله ؛ فثبت بذلك عدم القول به .

تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك قال ابن عباس : أي : تعلم ما في غيبي ؛ ولا أعلم ما في غيبك . إنك أنت علام الغيوب تعلم ما كان وما سيكون . [ ص: 424 ]

وفي الآية دليل على اختصاص الله تعالى بعلم الغيب ؛ ورد على كل من يدعيه من الناس ؛ أو يثبته لأحد من الخلق ، سواء كان رسولا ، أو غيره .

فإن كلهم -في عدم العلم الغيب ، أي غيب كان - سواسية .

ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم [المائدة : 117] ؛ أي : ما أمرتهم إلا أن وحدوا الله ، ولا تشركوا به شيئا .

وفيه رد على النصارى في قولهم : إن المسيح ابن الله ؛ فإنه - عليه السلام - اعترف هنا بعبديته ، وربوبية الله له ولهم أجمعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية