ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله أي: زعموا أنهم يشفعون لهم في الآخرة، فلا يعذبهم الله بذنوبهم. قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج. وهذا غاية الجهالة منهم؛ حيث ينظرون الشفاعة في المآل، ممن لا يوجد منه نفع، ولا ضر في الحال.
وقيل: أراد بهذه الشفاعة إصلاح أحوال دنياهم. قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن. أي: لإنكارهم البعث وما يترتب عليه، ثم أمر الله سبحانه رسوله بأن يجيب عنهم، فقال:
قل لهم تبكيتا:
أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون . أي: أتخبرون الله أن له شركاء في ملكه، وتصرفه فيه، يعبدون كما يعبد، أو تخبرونه أن لكم شفعاء بغير إذنه؟ والله سبحانه لا يعلم لنفسه شريكا ولا شفيعا بغير إذنه من جميع مخلوقاته الذين هم في سماواته، وفي أرضه. وهذا الكلام حاصله عدم وجود من هو كذلك أصلا. وفي هذا من التهكم بالمشركين والكفار ما لا يخفى.
سبحانه وتعالى عما يشركون [يونس: 18] نزه الله سبحانه نفسه عن إشراكهم. والآية دليل على
نفي قدرة الضر والنفع لشركاء الله في زعم المشركين، سواء كانوا أصناما، أو غيرها؛ لعموم اللفظ، وتحقق مصداق ذلك في غيرها من معتقدي الأموات وعابدي القبور.
وقال تعالى:
قل من رب السماوات والأرض ؟ أي: خالقهما ومتولي أمورهما؟
[ ص: 25 ] أمر الله سبحانه رسوله أن يسأل الكفار: من ربهما؟ سؤال تقرير، ثم لما كانوا يقرون بذلك، ويعترفون به؛ كما حكاه الله سبحانه في قوله:
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم [الزخرف: 9]، وقوله:
ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله [الزخرف: 87]، أمر رسوله أن يجيب فقال:
قل الله فكأنه حكى جوابهم وما يعتقدونه؛ لأنهم ربما تلعثموا في الجواب؛ حذرا مما يلزمهم.
ثم أمره بأن يلزمهم الحجة، ويبكتهم، فقال:
قل أفاتخذتم الاستفهام للإنكار؛ أي: إذا كان رب السماوات والأرض هو الله كما تقرون بذلك، وتعترفون به؛ كما حكاه سبحانه عنكم بقوله:
قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله [المؤمنون: 86- 87]، فما بالكم اتخذتم لأنفسكم بعد إقراركم هذا؟!
من دونه أولياء عاجزين
لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا [الرعد: 11] يضرون به غيرهم، أو يدفعونه عن أنفسهم.
فكيف ترجون منهم النفع والضر وهم لا يملكونهما لأنفسهم؟! ثم ضرب الله لهم مثلا، وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم، فقال:
قل هل يستوي الأعمى [الرعد: 16] في دينه وهو المشرك والكافر
والبصير فيه، وهو الموحد المؤمن؛ فإن الأول جاهل لما يجب عليه، وما يلزمه، والثاني عالم بذلك.
أم هل تستوي الظلمات ، أي: الشرك والكفر،
والنور أي: التوحيد والإيمان؛ أي: كيف يكونان مستويين، وبينهما من التفاوت، ما بين الأعمى والبصير، وما بين الظلمات والنور؟! وجمع الظلمات، ووحد النور؛ لأن طريق الحق واحد، وطرائق الباطل كثيرة غير محصورة.
[ ص: 26 ] أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه أي: مثل خلق الله، يعني: سماوات وأرضا، وشمسا، وقمرا، وجبالا، وبحارا، وجنا، وإنسا.
فتشابه الخلق عليهم وهذا كله في خبر النفي كما علمت. أي: ليس الأمر كذلك حتى يشتبه الأمر عليهم، بل إذا فكروا بعقولهم، وجدوا الله هو المتفرد بالخلق، وسائر الشركاء لا يخلقون شيئا. والمعنى: أنهم لم يجعلوا لله شركاء متصفين بأنهم خلقوا كخلقه، فتشابه بهذا السبب الخلق عليهم، حتى يستحقوا بذلك العبادة منهم، بل إنما جعلوا له شركاء: الأصنام والأوثان، والعباد الصلحاء، ونحوها بمحض سفه وجهل، وهي بمعزل أن تكون كذلك؛ لأنه لم يصدر عنها فعل ولا خلق، ولا أثر البتة.
ثم أمر سبحانه بأن يوضح لهم الحق، ويرشدهم إلى الصواب، فقال:
قل الله خالق كل شيء [الرعد: 16] كائنا ما كان، ليس لغيره في ذلك مشاركة بوجه من الوجوه، فلا شريك له في العبادة.
وهو الواحد أي: المتفرد بالربوبية.
القهار لما عداه، فكل ما عداه مربوب، مقهور، مغلوب، لا يقدر على شيء من التصرف في أمور العالم أصلا.