[ ص: 30 ] وقال تعالى:
ألا له الخلق والأمر [الأعراف: 54] الخلق: المخلوق، والأمر: كلامه، وهو: «كن». والمراد بـ"الأمر": ما يأمر به على وجه التفصيل والتصرف في مخلوقاته. قال
nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة: الخلق : ما دون العرش،
والأمر فوق ذلك. وفي الآية دليل على أنه
لا خالق ولا متصرف إلا الله. وفيها رد على من يقول: إن للشمس والقمر والكواكب تأثيرات في هذا العالم. فأخبر أنه هو الخالق المدير لهذا العالم، لا هن، وله الأمر المطلق، وليس لأحد غيره أمر، فهو الآمر والناهي، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا اعتراض لأحد من خلقه عليه.
تبارك الله رب العالمين : أي: كثرت بركته، وعمت ربوبيته للعوالم، وقال تعالى:
وإن يمسسك الله بضر [الأنعام: 17] أي: ينزل بك ضرا؛ من فقر، أو مرض، أو شدة، وبلية.
فلا كاشف له إلا هو أي: فلا قادر على كشفه ولا متصرف يصرفه عنك سواه.
وإن يمسسك بخير من رخاء أو عافية ونعمة. والخير اسم جامع لكل ما ينال الإنسان من لذة وفرح وسرور ونحو ذلك.
فهو على كل شيء قدير ، ومن جملة ذلك المس بالخير والشر.
وهذا الخطاب وإن كان للنبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو عام لكل واحد. والآية الشريفة نص لامع، ودليل ساطع على حصر ذلك في ذات الله. وإذا ثبت حصر النفع والضر فيه، وأنهما بيده الكريمة، فمن ذلك الذي يقدر على إيصال النفع إليهم ودفع الضر عنهم؟!
[ ص: 31 ] وفي الحديث الشريف عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=664810كنت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما، فقال لي: «يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك» الحديث، وسيأتي.
وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير [الأنعام: 18] أي: القاهر المتعبد خلقه، العالي عليهم، ذو الحكمة في أمره، وصاحب الخبرة بأفعال عباده. ومفهومه: أنه لا قاهر غيره، وكلهم مقهورون تحت حكمه وقضائه. فمن ترك عبادة القاهر رأسا، أو أشرك فيها غيره ممن هو مقهور مجبور عاجز ذليل حقير، فهو عن العقل بمراحل، وعن الفقه بمنازل، وهو مشرك بالله تعالى ما ليس من شأنه أن يشاركه في شيء.
وقال تعالى:
فكذلك ألقى السامري فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار [طه: 87-88] أي: صوت يسمع؛ أي: يخور كما يخور الحي من العجول. والخوار: صوت البقر. قيل: خواره كان بالريح؛ لأنه كان عمل فيه خروقا، فإذا دخلت الريح في جوفه، خار، ولم تكن فيه حياة.
قلت: وقد كثر مثله في هذا الزمان، من أشياء كثيرة، فيها أصوات تحصل بالريح، وبالنفخ بالأفواه، أوجدها النصارى، وجاؤوا بها تجارة إلى بلاد
الهند وغيرها.
وهذه عجلتهم النارية الدخانية قد تصوت عند المشي، وقد عبدها بعض الهنود في ابتداء ظهورها، إذ رأوها جسدا عظيما له خوار وسير نحوا من مسيرة شهر في يوم وليلة مثلا.
وما أجهل هؤلاء المشركين والكفار في أمر ديانتهم، وأشد سفاهة فيه!! تراهم من أعقل الناس في أمر المعاش، وأبعدهم عن الشعور والفهم في أمر الدين.
[ ص: 32 ] عبدوا كل شيء من الأشياء الظاهرة في هذا العالم الفاني، ولم يتركوا منها مثقال ذرة. ولم يعبدوا الله الذي خلقهم وخلقها، فسبحان الله وبحمده.
وقال تعالى:
ومن الناس من يعبد الله على حرف [الحج: 11] أي شك، يعني: متزلزلا؛ لأنه على غير يقين من وعده ووعيده. بخلاف المؤمن الموحد؛ فإنه يعبده على يقين وبصيرة، فلم يكن على حرف.
وقيل: الحرف: الشرط، والشرط هو قوله:
فإن أصابه خير دنيوي من رخاء، وصحة، وعافية، وسلامة، وخصب، وكثرة مال
اطمأن به أي: ثبت على دينه، واستمر على عبادته، أو اطمأن قلبه بذلك الخير الذي أصابه، وسكن إليه.
وإن أصابته فتنة أي: شيء يفتتن به؛ من مكروه يصيبه في أهله وماله، أو نفسه ومعيشته؛ كالجدب، والمرض، وسائر المحن
انقلب على وجهه ، أي: ارتد، ورجع إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر والشرك.
خسر الدنيا والآخرة أي: ذهبا منه، وفقدهما، فلا حظ له في الدنيا من الغنيمة والثناء الحسن، وصون المال والدم، ولا في الآخرة من الأجر، وما أعده الله للصالحين.
ذلك هو الخسران المبين أي: الواضح الظاهر الذي لا خسران مثله. فإنه إذا لم ينضم إليه الأخروي، أو بالعكس، لم يتمحض خسرانا، فلم يظهر كونه كذلك ظهورا تاما، فانحصر الخسران المبين فيه على ما دل عليه الإتيان بضمير الفصل. قاله
الكرخي، وفي سبب ورود هذه الآية، روايات ذكرها في «فتح البيان».