[ ص: 33 ] أنواع طبقات البشر
وهاهنا فائدة نفيسة لا يجوز أن تهمل، وهي أن نوع البشر على أربع طبقات.
الأول: صالح الدارين، وفائز الكونين. وله يدل قوله تعالى في
إبراهيم -عليه السلام-:
وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين [النحل: 122]. وهذا أفضل المراتب وأكملها، ولا يتصور درجة فوقها في الخير، وإليه ندب سبحانه بعميم كرمه وتمام رحمته أمته صلى الله عليه وسلم، وأخبر عن أهله فقال:
ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار [البقرة: 201]. اللهم اجعلنا من هؤلاء.
الثاني: خاسر الدارين، ومردود النشأتين، وهو الذي ذكره سبحانه في هذه الآية، ونعوذ بالله من ذلك.
الثالث: من سعد في الآخرة، وخسر في الدنيا. أي: بإعدام أسبابها وآلاتها الفانية، وإيثار المحن والمشاق في سبيل الله تعالى على اللذات الحسية المتلاشية عن قريب. وهذه المرتبة ليست بدون من الرتبة الأولى، وإليه الإشارة في قوله تعالى:
إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار [ص: 46].
ومن هؤلاء من ترك الدنيا طلبا للآخرة، وقدم العلم على الجهل، والعمل على العجز، والفقر على الغنى، والترح على الفرح، والإخلاص على الرياء، والتسليم والرضاء بقضاء الله، ونحو ذلك.
الرابع: فائز الدنيا وخاسر العاقبة، ونعوذ بالله منه، وهم الأكثرون الخارجون عن الحصر والعدد.
[ ص: 34 ] وإليه الإشارة في قوله سبحانه:
فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق [البقرة: 200].
يدعو [الحج: 12] أي: يعبد هذا الذي انقلب على وجهه، ورجع إلى الكفر.
من دون الله ما لا يضرهم [الحج: 12] إن ترك عبادته، وعصاه:
وما لا ينفعه [الحج: 12] إن عبده وأطاعه؛ لكون ذلك المعبود جمادا لا يقدر على ضر ولا نفع.
وفي حكمه كل من عبد من دون الله؛ جريا على القاعدة المقررة في أصول علم الفقه؛ من أن العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب.
ذلك الحج: 12] أي الدعاء المفهوم من "يدعو"
هو الضلال البعيد [الحج: 12] عن الحق الرشد.
يدعو أي: يقول هذا المشرك الكافر يوم القيامة:
لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير [الحج: 13] و" المولى": الناصر، و"العشير": الصاحب.