وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662241«يخرج الدجال، فيبعث الله عيسى ابن مريم، فيطلبه فيهلكه. ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير وإيمان إلا قبضته، فيبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع»؛ أي: يكونون في سرعتهم إلى الشرور، وقضاء الشهوات، والفسادات كالطير، وفي ظلم بعضهم على بعض، والسفك والقتل في أخلاق السباع. كذا في «مجمع البحار» «لا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا
[ ص: 87 ] تستحيون؟ فيقولون: فما تأمر؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم [رغم] ذلك دار»؛ أي: كثير «رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور» الحديث.
قال بعض أهل العلم: يعني: أنه
يموت المؤمنون في آخر الزمان، ويبقى سفهاء الناس، وحمقاؤهم، يريدون أن يأكلوا أموال الناس ليلا ونهارا، لا يعرفون الحسن، ولا القبيح، فيقول لهم الشيطان: إن كونهم لا على دين أصلا محل الحياء، فيشوقهم إلى إيثار الدين، فيختارون بإغواء إبليس اللعين الأوثان، ولا يسلكون مسلك كتاب الله، ولا مسلك سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- بل يستبدون بآرائهم، وينحتون سبلا للدين، فيقعون في الشرك، ويبتلون بالضلال المبين. ولكن الله تعالى لا يمنعهم من الرزق، بل يرزقهم، ويوسعهم فيه، ويحسن عيشهم، والحالة هذه، فيزيدون في الشرك، زعما منهم أنهم كلما زادوا في عبادة الأوثان ويزيدون فيه يقضي لهم الحوائج، ويحصل لهم المرادات والمقاصد.
فينبغي للمؤمن أن يخاف مكر الله، ولا يأمن كيده؛ فإن العبد قد يشرك بالله، ويأتي بالذنوب، ويدعو غيره، وهو يستدرجه بقضاء الحاجة، وإنجاح المرام، وإسعاف المراد من حيث لا يشعر، بل يدري أنه على سبيل حق، وطريق صواب. فثبت أنه لا اعتبار بحصول المراد، وعدم حصوله. بل الدين الحق دين التوحيد، وهو المستحق ألا يترك بحال من الأحوال، وإذا تقرر هذا، فقد عرفت أن الحديث دل على أن الآدمي، وإن غرق في بحر الذنوب، وصار وقحا جالعا محضا، ولم يقصر في أكل مال الآخر، ولم يميز
[ ص: 88 ] بين الحسن والقبيح، فإنه مع هذه الحال أيضا خير من المشرك الذي يعبد غير الله، ويدعوه. فإن الشيطان يضلهم عنها، ويهديهم إلى هذا الطريق الموصلة إلى صراط الجحيم. انتهى.
وإنك إذا تأملت في شأن أبناء هذا الزمان وجدتهم في أعظم الإشراك، وأكبر الذنوب، وهم مرزوقون، منعمون في أرغد عيش، وأطيب حياة، ولا يعرفون معروفا، ولا ينكرون منكرا، بل ينكرون معروفا، ويعرفون منكرا، وهم في خفة الطير، وأحلام السباع، إذا قال لهم أحد: اتبع كتاب الله، وسنة رسوله، عادوه، وردوا عليه، ورموه بكل حجر ومدر، وإذا قيل لهم: إنما الدين التمسك بكتب الفروع، والتحقق بالتقليد الشخصي، وما خالف ذلك، فهو مذهب من لا مذهب له، فرحوا به، وصافوه وكرموه، وهو عندهم من العلماء الراسخين، وأما من لا يقلد أحدا من الرجال، ولا يلتفت إلى رأي أحد، ولا اجتهاده من الأجيال والأقبال، فهو عندهم جاهل، وليس في عداد العلماء، ولائق بأن يواجه بكل قبيح باللسان والبيان. فهذا
من أشرط الساعة الكبرى، وقد أظلت، وتمت المائة الثالثة عشرة من الهجرة المقدسة على صاحبها الصلاة والتحية، والله أعلم ماذا يكون بعدها، وإلى ما يؤول أمر الدين، اللهم أحينا مسلمين، وأمتنا مسلمين.
وأخرج الشيخان عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
nindex.php?page=hadith&LINKID=656583«لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة»، وذو الخلصة: طاغية
دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية. هذا الحديث متفق عليه، ومعنى «تضطرب»: تتحرك، و «الأليات» - بفتحتين -: جمع ألية، وهو في الأصل اللحمة تكون في أصل العضو، وقيل: هي اللحمة المشرفة على الظهر والفخذ، وهي لحم المقعد. والمعنى: حتى يرتدوا، فتطوف نساؤهم حول ذي الخلصة.
[ ص: 89 ] قال في «النهاية»: هو بيت كان فيه صنم
لدوس، وخثعم، وبجيلة، وغيره.
وقيل: هي الكعبة اليمانية التي كانت في
اليمن، فأنفذ إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير بن عبد الله، فخربها.
وقيل: اسم الصنم نفسه، ويخدشه اختصاص «ذو» باسم الجنس.
والمعنى: أنهم يرتدون إلى جاهليتهم في عبادة الأوثان، فتسعى نساء
بني دوس طائفات حول ذي الخلصة، فترتج أعجازهن، مضطربة ألياتهن، كما كانت عادتهن في الجاهلية. قاله في «المرقاة شرح المشكاة».
وقال بعض أهل العلم: إن
دوسا اسم لقوم من العرب، وكان فيهم صنم اسمه «ذو الخلصة»، فضاعت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الناس يعبدونها مرة أخرى، وتطوف حولها نساؤهم مضطربة الأليات والأعجاز. فدل هذا الحديث على أن
طواف شيء غير بيت الله تعالى شرك، ورسم من الكفار، والله تعالى مستأثر بهذه العبادة. انتهى.
وأقول: يكون
طواف ذي الخلصة عند قرب الساعة، وهو من أشراطها. ولكن الشأن كل الشأن في حال أبناء هذا الزمان
الذين يطوفون حول قبور الأنبياء والأولياء، والمشايخ، والأئمة، والشهداء وغيرهم من الصلحاء، ويرونه من الأعمال الصالحة النافعة لهم، في الدنيا والدين، مع أن فعلهم هذا من الشرك بمكان، لا يخفى على من له أدنى إلمام بمدارك الشرع الشريف، ومفاهيم الكتاب والسنة وعطفهما. بل هم لا يقتصرون على ذلك الطواف حتى
يسجدوا لصاحب القبر، أو يركعوا له. [ ص: 90 ] وهذا كفر بحت، وظلم محض، وضلال صرف، تعلموه من الهنود والجهود، وما أشبه الليلة بالبارحة! ويا لله العجب من دعواهم الإيمان مع هذا الحال والشأن! فسبحان الله وبحمده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[ ص: 91 ]