توحيد الصديقين
فإن من يرى الكل من الله، كيف يسخط على غيره، أو يأمل سواه؟ وهذا التوحيد مقام الصديقين.
ولا ريب أن توحيد الربوبية لم ينكره المشركون، بل أقروا بأنه سبحانه وحده خالقهم، وخالق السماوات والأرض، والقائم بمصالح العالم كله.
وإنما أنكروا توحيد الإلهية والمحبة كما حكى الله تعالى عنهم في قوله:
ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله [البقرة: 16].
[ ص: 68 ]
فلما سووا غيره به في هذا التوحيد، كانوا مشركين كما قال تعالى:
ثم الذين كفروا بربهم يعدلون [الأنعام: 1] أي: يسوون غيره به.
وقال تعالى:
وهم بربهم يعدلون [الأنعام: 150].
وقد علم الله عباده كيفية معاينة الشرك في توحيد الإلهية بإفراده وليا، وحكما، وربا، فقال تعالى:
قل أغير الله أتخذ وليا [الأنعام: 14].
وقال:
أفغير الله أبتغي حكما [الأنعام: 114]، وقال:
قل أغير الله أبغي ربا [الأنعام:164].
فلا ولي، ولا حكم، ولا رب إلا الله الذي من عدل به غيره، فقد أشرك في ألوهيته، ولو وحد ربوبيته.
فتوحيد الربوبية هو الذي اجتمعت فيه الخلائق؛ مؤمنها، وكافرها. وتوحيد الألوهية مفرق الطرق بين المؤمنين، والمشركين؛ ولهذا كانت كلمة الإسلام: لا إله إلا الله، فلو قال: لا رب إلا الله، لما أجزأه عند المحققين.