وجوب
تعظيم الصغير للكبير
فالكثير منهم أخ كبير، ينبغي تعظيمه على حسب كبره. والله سبحانه أكبر من كل، فيختص بالعبادة وغاية التعظيم.
وقد دل هذا الحديث على أن الأنبياء، والأولياء، وأخلاف الأئمة والمشايخ، والشهداء، وغيرهم من عباد الله المقربين بشر، وعباد له سبحانه عاجزون، وإخوان لنا مكرمون، أعطاهم الله تعالى الكرامة والفضيلة علينا.
فهم إخوة كبراء لنا، وعلينا إطاعتهم، وامتثال أوامرهم ونواهيهم فيما جاؤوا به من عند الله، وقالوا بما شرعه الله لنا.
ونحن أصغر منهم، وعلينا أن نعظمهم تعظيم الإنسان لإنسان آخر أعظم منه مفضل عليه، لا أن نعظمهم تعظيم العبد لله - سبحانه وتعالى.
وفي الحديث: أن بعض البهائم والأشجار يعظم بعض عباد الله من الأنبياء والصلحاء.
فيأتي الأسد - مثلا - على باب أحد، والفيل على عتبة آخر، والذئب على دار صالح منقاد له.
وهذا لا يصلح للاستناد في عبادة ذلك الصالح وتعظيمه كتعظيم الله تعالى، بل الذي ينبغي أن يعظم عباد الله المقربين المكرمين كما علم الله لنا من إكرامهم وأحل لنا في الشرع فعله.
ولم يرد الشرع بمجاورة القبور، والعكوف عليها، والطواف بها، والسجدة إليها.
فإن رأى أسدا أنه يجاورها ليلا ونهارا، فلا يستند بذلك؛ لأن الإنسان لا يليق له أن يتخذ فعل الحيوان له خصلة.
[ ص: 201 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=673751عن قيس بن سعد، قال: أتيت الحيرة - بلدة قديمة بظهر الكوفة - فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم - هو الفارس الشجاع المقدم على القوم دون الملك -. فقلت: لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحق أن يسجد له، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: إني أتيت الحيرة، فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم، فأنت أحق بأن يسجد لك.
فقال لي: «أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له ؟» فقلت: لا، فقال: «لا تفعلوا».
قال ذلك إظهارا لعظم الربوبية، وإشعارا لمذلة العبودية.
والمعنى: لا تفعلوا في الحياة كذلك ؛ أي: لا تسجدوا لي؛ فإن
السجدة عبادة مختصة بالله تعالى، لا تحل لمخلوق.
قال
الطيبي: أي: اسجد للحي الذي لا يموت، ولمن ملكه لا يزول، فإنك إنما تسجد لي الآن مهابة. وإجلالا لي، فإذا صرت رهين رمس، امتنعت عنه، فلا ينبغي السجدة إلا للحي الذي لا يموت.
nindex.php?page=hadith&LINKID=663449«لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن ؛ لما جعل الله لهم عليهن من حق»رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل.
قال بعض أهل العلم: معناه: إني أموت يوما، وأقبر تحت التراب، فمالي وللسجدة؟ إنما السجدة تليق للذات الباقية الدائمة، التي لا تموت، ولا تفقد أبدا، ولا تأخذها سنة ولا نوم، وهو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، له ما في السماوات والأرض.
فهذا الحديث دليل على
النهي عن السجدة لحي وميت، كائنا من كان، وكذلك لقبر، أو مكان لأحدهم ؛ لأن كل حيوان مائت يوما، ومن مات فقد كان حيا في وقت، مقيدا بالبشرية، فكيف يستقيم أنه بعد الممات صار إلها مستحقا للسجدة إليه؟ بل العبد عبد وإن مشى على الدر، والإله إله وإن لم يعرفوا له القدر والأمر.
وإذا تقرر هذا، فقد عرفت أن السجدة لغير الخالق شرك في العبادة، وحيث
[ ص: 202 ] اعتاد بها غالب الناس لملوكهم ورؤسائهم، صارت شركا في العادة أيضا، وهي لا تجوز للسلطان والأمير، كائنا من كان، وكانوا يسجدون لملوك
الهند المسلمين منهم والهنود.
وكان
السلطان نور الدين جهانكير ملك
الهند من نسل
تيمور الأعرج يحب السجدة إليه من جميع رعاياه، حتى إن
الشيخ أحمد السرهندي المعروف بمجدد الألف الثاني لما أبى من السجدة له، وأنكر عليه ذلك، وقال: إن السجدة لا تجوز إلا لخالق البشر غضب عليه السلطان، وقيده في
قلعة كواليار، وقصته هذه معروفة مرقومة في كتب التواريخ وغيرها.
وسمعت أنهم يسجدون اليوم لملك
الصين، ويعظمونه كتعظيم المعبود لهم.
وهذا من الشرك والكفر بمكان لا يخفى على أحد ممن له عقل سليم، وفهم مستقيم.
وفتوى بعض الفقهاء بجواز
سجدة التحية للسلاطين والملوك مردودة عليه، مضروبة بها في وجهه، بنص أحاديث الباب.
ولم يرد قط ما يدل على جوازها في هذا الشرع لغير الله تعالى.
ولا موجب لصرف ظواهر النصوص عن معانيها إلى تأويلات باردة ركيكة لا تستحق الالتفات لمن يصلح للخطاب.
فدع كل قول دون قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر