وفيه: أن
آخر هذه الأمة يقلد من قبلها من الأمم الضالة، ويأتي بما أتته من الأفعال الشركية والكفرية، التي تخرجهم من النور إلى الظلمات، ومن السنة البيضاء، إلى حلك البدعات والمحدثات.
قال في «فتح المجيد»: هذا خبر صحيح، والواقع من كثير من هذه الأمة يشهد له.
وفيه: علم من أعلام النبوة ؛ من حيث إنه وقع كما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث:
النهي عن التشبه بأهل الجاهلية، وأهل الكتاب، فيما كانوا يفعلونه، إلا ما دل الدليل على أنه من شريعة
محمد صلى الله عليه وسلم.
[ ص: 239 ] وفيه: أن الشرك لا بد أن يقع في هذه الأمة، خلافا لمن ادعى خلاف ذلك.
وفيه: أن كل ما ذم الله به
اليهود والنصارى، فإنه لهذه الأمة، لتحذره.
وفيه: أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يعذرهم بالجهل، بل رد عليهم ردا مشبعا، وغضب وغلظ الأمر عليهم.
وفيه:
سد الذرائع، وأن سنة أهل الكتاب -يهودهم ونصاراهم- مذمومة كسنة المشركين،
والمجوس ملحق بأهل الكتاب في غالب الأحكام، كأنهم هم. انتهى.
وأما ما ادعاه بعض المتأخرين من أنه يجوز
التبرك بآثار الصالحين، فممنوع من وجوه:
منها: أن السابقين الأولين من الصحابة ومن بعدهم، لم يكونوا يفعلون ذلك مع غير النبي صلى الله عليه وسلم، لا في حياته، ولا بعد موته، ولو كان خيرا، لسبقونا إليه.
وأفضل الصحابة هم الخلفاء الراشدون، وقد شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وكذا البقية العشرة، ولأهل
بدر وغيرهم.
ولكن لم يفعل أحد من الصحابة والتابعين مع أحد من هؤلاء السادة هذه الفعلة، ولا فعله التابعون مع سادتهم وقادتهم في العلم والدين، ما يفعله هؤلاء الجهلة بالشرع المبين، مع أنهم الأسوة للأمة، والقدوة للأئمة.
ولا يجوز أن يقاس أحد من الأمة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ومن ذاك الذي يبلغ شأوه؟ قد كان له صلى الله عليه وسلم في حال حياته خصائص كثيرة لا يصلح أن يشاركه فيها غيره.
ومنها: أن المنع من ذلك سد لذريعة الشرك؛ لأن
الشرك أخفى من دبيب النمل.
ومنها: أن الله لا يثيب على فعل لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يرشد إليه، وإن كان حسنا عند أحد، ولم ير فيه قبحا.
[ ص: 240 ] فإن
الحسن والقبح شرعيان لا عقليان، ولا دخل للاجتهاد والقياس في كون الشيء محكوما عليه بالاستحسان والقباحة، إنما ذلك إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.