كلام الله وكلماته غير مخلوقة
واستدل العلماء بهذا الحديث على أن كلمات الله غير مخلوقة ؛ لأنها لو كانت مخلوقة، لما جازت الاستعاذة بها.
ولأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه استعاذ بها، وأمر بذلك.
ومعنى «التامات» كما قال
القرطبي -: الكاملات التي لا يلحقها نقص ولا عيب، كما يلحق كلام البشر.
وقيل: معناها الكافية الشافية.
[ ص: 258 ] وقيل: هي هنا -: القرآن، فإن الله أخبر عنه أنه هدى وشفاء.
وهذا الأمر على جهة الإرشاد إلى ما يدفع به الأذى. وحيث كان هذا استعاذة بصفات الله تعالى، صار هذا الأمر من باب المندوب إليه، المرغب فيه.
وعلى هذا، فحق على المستعيذ بالله وبأسمائه الحسنى، وصفاته العليا أن يصدق الله في الالتجاء إليه، ويتوكل في ذلك عليه، ويحضر ذلك في قلبه.
فمتى فعل ذلك، وصل إلى منتهى طلبه ومغفرة ذنبه.
قال
شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: وقد نص الأئمة ؛
كأحمد وغيره، على أنه لا تجوز
الاستعانة بمخلوق.
ولهذا نهى العلماء عن التعازيم، والتعاويذ التي لا يعرف معناها؛ خشية أن يكون فيها استعاذة بمخلوق، وذلك شرك.
قال
ابن القيم: ومن ذبح للشيطان، ودعاه، واستعاذ به، وتقرب إليه بما يحب فقد عبده، وإن لم يسم ذلك عبادة، ويسميه استخداما، وصدق، هو استخدام منه للشيطان، فيصير من خدمه، وعابديه، وبذلك يخدمه الشيطان، لكن خدمة الشيطان له ليست خدمة عبادة، فإن الشيطان لا يخضع له، ولا يعبده أبدا، كما يفعله هو به.
قال: وأما قوله:
من شر ما خلق [الفلق: 2] فمعناه: من كل شر، من أي مخلوق قام به الشر، من حيوان أو غيره، إنسيا كان، أو جنيا، أو هامة، أو دابة، أو ريحا، أو صاعقة، أي نوع كان من أنواع البلاء في الدنيا والآخرة.
و «ما» هنا موصولة، وليس المراد به العموم الإطلاقي، بل المراد التقييدي الوصفي؛ أي: من شر كل مخلوق فيه شر وضر، لا من شر كل ما خلق الله ؛ فإن الجنة والملائكة والأنبياء ليس فيهم شر أصلا أبدا.
والشر يقال على شيئين: على الألم، وعلى ما يفضي إليه.
قال
القرطبي: هذا خبر صحيح، وقول صادق، علمنا صدقه دليلا وتجربة،
[ ص: 259 ] فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت به، فلم يضرني شيء إلى أن تركته، فلدغتني عقرب بالمهدية ليلا، فتفكرت في نفسي، فإذا أني قد نسيت أن أتعوذ بتلك الكلمات. انتهى.