فصل في أن
لكل فرد من بني الإنسان منزلا في الجنة ومنزلا في النار
وعنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=856037«ما منكم من أحد إلا وله منزلان : منزل في الجنة ، ومنزل في النار ، فإذا مات ودخل النار ، ورث أهل الجنة منزله ، فذلك قوله : أولئك هم الوارثون » أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه ،
nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، وقال : حسن صحيح ،
nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، فذكر قصة ، وفيها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=945110«الفردوس ربوة الجنة ، وأوسطها ، وأفضلها» .
ويدل على هذه الوراثة المذكورة هنا قوله تعالى :
تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا [مريم : 63] ، وقوله :
تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون [الأعراف : 43] .
وشهد لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة هذا ، ما في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=855848«يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال ، فيغفرها الله لهم ، ويضعها على اليهود والنصارى» ، وفي لفظ له : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661977«إذا كان يوم القيامة ، دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا ، فيقول : هذا فكاكك من النار» .
هم فيها خالدون ; أي إنهم : يدومون فيها ، لا يخرجون منها ،
[ ص: 87 ] ولا يموتون ، وتأنيث الضمير ، مع أنه راجع إلى الفردوس; لأنه بمعنى الجنة .
اللهم إن عبدك هذا ، جاءك بذنوب أعظم من الجبال ، وأكثر من عدد الرمال ، فاغفر له يا ذا الكرامة والجلال ، واسترها في الآخرة ، كما سترتها في الدنيا ، يا صاحب الفضل والإفضال ، وإني مستغفر نادم ، أتوب إليك من كل ما علمت وعملت ، وما لم أعلم ولا أعمل ، وأسألك التوفيق والعفو والعافية ، مع قصر الأمل .
وقال تعالى :
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله [الحجرات : 15] إيمانا صحيحا صادقا خالصا من موطأة القلب واللسان ،
ثم لم يرتابوا ; أي : لم يدخل في قلوبهم شيء من الريب ، ولا خالطهم شك من الشكوك ، أتى بـ «ثم» التي للتراخي للإشارة إلى أن نفي الريب عنهم ليس وقت حصول الإيمان فيهم وإنشائه فقط ، بل هو مستمر بعد ذلك فيما يتطاول من الأزمنة ، فكأنه قال : ثم داموا على ذلك ،
وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ; أي : في طاعته وابتغاء مرضاته .
ويدخل في الجهاد :
الأعمال الصالحة التي أمر الله بها من جملة ما يجاهد المرء نفسه حتى يقوم به ويؤديه كما أمر الله سبحانه; والطاعات كلها كائنة في سبيل الله وجهته ، وأفضلها القتال .
والمجاهدة بالأموال : عبارة عن العبادات المالية; كالزكاة والصدقة .
وقدم الأموال; لحرص الإنسان عليها; فإن ماله شقيق روحه . وجاهدوا بمعنى : بذلوا الجهد .
والمجاهدة بالأنفس : عبارة عن العبادات البدنية ، وأكرمها الغزو في سبيله سبحانه .
أولئك ; أي : الجامعون بين الأمور المذكورة
هم الصادقون في الاتصاف بصفة الإيمان ، والدخول في عداد أهله ، لا من عداهم ممن أظهر الإسلام بلسانه ، وادعى أنه مؤمن ، ولم يطمئن بالإيمان قلبه ، ولا وصل إليه معناه ، ولا عمل بأعمال أهله ، وهم سائر أهل النفاق وأهل البدع .
[ ص: 88 ] ويدخل في الآية أيضا : من آمن وعمل ، ولكن لم يجمع بين هذه الأمور ، فإن كان هذا القصور غفلة منه ، وتسلطا من النفس الأمارة بالسوء ، والشيطان المغوي عليه ، فالله غفور رحيم ، واليأس منه كفر ، كما أن الأمن منه كفر أيضا .
وإن كان ارتيابا ، أو عنادا ، أو تمردا ، وجرأة على الله ، فهو من الكاذبين المستحقين للهلاك .
أعاذنا الله منه برحمته ومنه ، وجعلنا ممن لهم لسان صدق في الآخرين . اللهم آمين .
وقال تعالى :
ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر [البقرة : 177] ذكر ذلك; لأن عبدة الأوثان كانوا ينكرون البعث بعد الموت
والملائكة ; أي : الإيمان بهم كلهم; لأن اليهود قالوا : إن جبريل عدونا ،
والكتاب ; أي : القرآن ، وقيل : جميع الكتب المنزلة; لسياق ما بعده ، وهو قوله :
والنبيين يعني : أجمع ، وإنما خص الإيمان بهذه الأمور الخمسة; لأنه يدخل تحت كل واحد منها أشياء كثيرة مما يلزم المؤمن أن يصدق بها ،
وآتى المال على حبه ; أي : مع حبه ، أو على حب الله
ذوي القربى يعني : أهل قرابته; لكون دفع المال إليهم صدقة وصلة ، إذا كانوا فقراء
واليتامى ، وهم أولى بالصدقة من الفقراء الذين ليسوا بيتامى; لعدم قدرتهم على الكسب ، واليتيم : هو الذي لا أب له مع الصغر ،
والمساكين ، وهو الساكن إلى ما في أيدي الناس; لكونه لا يجد شيئا ،
وابن السبيل المسافر المنقطع ،
والسائلين ; أي : الطالبين للإحسان المستطعمين ، ولو كانوا أغنياء ،
وفي الرقاب يعني : المكاتبين ، وقيل : هو فك النسمة ، وعتق الرقبة ، وفداء الأسارى ،
ليس البر أن تولوا المفروضتين ،
والموفون بعهدهم إذا عاهدوا الله أو الناس .
قيل : المراد بالعهد : القيام بحدود الله ، والعمل بطاعته ، وقيل : النذر ، وقيل : الوفاء بالمواعيد ، والبر في الحلف ، وأداء الأمانات .
والأولى الاعتبار بعموم اللفظ ، فكل أمر يصدق عليه أنه عهد ، أو نوع منه ، فالآية الشريفة تشمله ، والوفاء به حسن متحتم .
[ ص: 89 ] والصابرين في البأساء الشدة والفقر
والضراء و المرض والزمانة
وحين البأس ; أي : وقت الحرب وشدة القتال في سبيل الله .
قالوا : الآية جامعة لجامع الكمالات الإنسانية ، وهي : صحة الاعتقاد ، وحسن المعاشرة ، وتهذيب النفس ،
أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : هذا كلام في الإيمان وحقيقة العمل ، فإن لم يكن مع القول عمل ، فلا شيء .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي : إن الواوات في هذه الأوصاف تدل على أن من شرائط البر استكمالها وجمعها .
فمن قام بواحد منها ، لا يستحق الوصف بالبر . والآية عامة في جميع المؤمنين .
وقال تعالى :
ومن يعمل من الصالحات ; أي : بعضها ، وهي الفرائض .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : «من» زائدة عند قوم ، وهو ضعيف; لأن المكلف لا يطيق عمل كل الصالحات .
من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فيه اشتراط الإيمان في كل عمل صالح ،
فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا [النساء : 124]; أي : قدر النقير ، وهو النقرة في ظهر النواة . وهذا على سبيل المبالغة في نفي الظلم ، ووعد بتوفية جزاء أعمالهم من غير نقصان .
وكيف والمجازي أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين ، وأفضل الأفضلين؟!!
ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن [النساء : 125]; أي : أخلص نفسه له ، عاملا بالحسنات . قال ابن عباس : هو محسن ، يريد : موحد لله - عز وجل - ، لا يشرك به شيئا .
واتبع ملة إبراهيم حنيفا ; أي : مائلا عن الأديان الباطلة إلى دين الحق ، وهو الإسلام .
[ ص: 90 ] وخص
إبراهيم - عليه السلام -; للاتفاق على مدحه من اليهود والنصارى والمجوس والهنود . وقال تعالى :
إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين [التوبة : 18] .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كل «عسى» في القرآن فهي واجبة; كقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :
عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء : 79] ، وهي الشفاعة ، قال : يقول : من وحد الله ، وآمن بما أنزل الله ، وأقام الصلوات الخمس ، ولم يتعبد إلا لله ، فهو من المهتدين .
واقتصر على ذكر الصلاة ، والزكاة ، والخشية; تنبيها بما هو أعظم أمور الدين على ما عداه; مما افترضه الله على عباده; لأن كل ذلك من لوازم الإيمان ، وصفات المؤمنين .
وقال تعالى :
والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [التوبة : 71]; أي : قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف ، واتفاق الكلمة والعون والنصر; بسبب ما جمعهم من أمر الدين ، وما ضمهم من الإيمان بالله .
ثم بين أوصافهم فقال :
يأمرون بالمعروف ; أي : بما عرف من الشرع غير منكر .
ومن ذلك توحيد الله - سبحانه وتعالى - ، وترك عبادة غيره ، ظاهرا وباطنا ، والدعوة إلى اتباع الحديث ، وترك تقليدات الرجال .
وينهون عن المنكر ، أي : عما هو منكر في الدين غير معروف .
ومنه : إيثار التقليد ، والابتداع على الاتباع والعمل بالسنة .
والمراد : جنس المعروف ، وجنس المنكر الشاملين لكل خير وشر . وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي من الأحاديث ما هو معروف ،
ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة المفروضة الواجبة .
[ ص: 91 ] خصهما بالذكر من جملة العبادات; لكونهما الركنين العظيمين ، بما يتعلق بالأبدان والأموال ،
ويطيعون الله ورسوله في جميع ما أمرهم بفعله ، أو نهاهم عن الإتيان به ، ولا يطيعون أحدا ممن سواهما ، كائنا من كان ، وأينما كان ، ومن أطاع غيرهما من الأحبار والرهبان ، والأئمة والشيوخ ، فلا يستحق ما ذكره الرحمن في هذه الآية .
أولئك المتصفون بهذه الأوصاف
سيرحمهم الله «السين» للمبالغة والدلالة على تحقق ذلك وتقرره ، بمعونة المقام والتوكيد في إنجاز الوعد; لكونه بشارة امتحضت لتأكيد الوقوع; أي : وقوع ما وعد به من الرحمة والرضوان ، وما أعد لهم من النعيم المقيم في الجنان .
إن الله عزيز حكيم [التوبة : 71 ] فيه ترغيب وترهيب ، وتعليل لقوله :
سيرحمهم الله ، فهو لف و نشر مشوش .