صفحة جزء
بيان كيفية توسل المخلوق بالمخلوق

[وهو التوسل الشرعي]

وقالت طائفة: ليس في هذا جواز التوسل به في مماته وبعد مغيبه، بل إنما فيه التوسل في حياته بحضوره، كما في صحيح البخاري: أن عمر بن الخطاب [ ص: 22 ] -رضي الله عنه- استسقى بالعباس، فقال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا، فيسقون.

وقد بين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أنهم كانوا يتوسلون به في حياته، فيسقون، وذلك التوسل به أنهم كانوا يسألونه أن يدعو الله لهم، فيدعو لهم، ويدعون معه، فيتوسلون بشفاعته ودعائه، كما في الصحيح عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان بجوار دار القضاء، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب، فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائما، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله لنا أن يمسكها عنا، قال: فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يديه، ثم قال: "اللهم حوالينا لا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر" قال: وأقلعت، فخرجنا نمشي في الشمس.

ففي هذا الحديث: أنه قال: ادع الله لنا أن يمسكها عنا.

وفي الصحيح: أن عبد الله بن عمر قال: إني لأذكر قول أبي طالب في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول:


وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

فهذا كان توسلهم به في الاستسقاء ونحوه، ولما مات توسلوا بالعباس -رضي الله عنه- كما كانوا يتوسلون به، ويستسقون.

وما كانوا يستسقون به بعد موته، ولا في مغيبه، ولا عند قبره، ولا عند قبر غيره.

وكذلك معاوية بن أبي سفيان استسقى بـ "يزيد بن الأسود الجرشي" وقال: اللهم إنا نستشفع إليك بخيارنا، يا يزيد! ارفع يديك إلى الله، فرفع يديه، ودعا ودعوا، فسقوا.

فلذلك قالت العلماء: يستحب أن يستسقى بأهل الصلاح والخير، فإذا كانوا من أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحسن.

التالي السابق


الخدمات العلمية