وأما
حلول الحوادث: فيريدون به: أنه لا يتكلم بقدرته ومشيئته، ولا ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، ولا يأتي يوم القيامة، ولا يجيء، ولا يغضب بعد أن كان راضيا، ولا يرضى بعد أن كان غضبان، ولا يقوم به فعل البتة، ولا أمر يجدد بعد أن لم يكن، ولا يريد بعد أن لم يكن مريدا له.
فلا يقول: «كن» حقيقة، ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستويا عليه، ولا يغضب يوم القيامة غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا لهم.
ولا يقول للمصلي إذا قال:
الحمد لله رب العالمين : حمدني عبدي، فإذا قال:
الرحمن الرحيم قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال:
مالك يوم الدين قال: مجدني عبدي؟ فإن هذه كلها حوادث، وهو منزه عن حلول الحوادث.
وقالت
الجهمية: نحن نثبت قديما واحدا، ومثبتو الصفات يثبتون عدة قدماء، قالوا: والنصارى أثبتوا ثلاثة قدماء مع الله تعالى، فكفروهم، فكيف من أثبت سبعة قدماء، أو أكثر ؟!
فانظر إلى هذا التدليس والتلبيس الذي يوهم السامع أنهم أثبتوا قدماء مع الله تعالى، وإنما أثبتوا قديما واحدا بصفاته، وصفاته داخلة في مسمى اسمه.
كما أنهم أثبتوا إلها واحدا، ولم يجعلوا كل صفة من صفاته إلها، بل هو الواحد بجميع أسمائه وصفاته.
[ ص: 101 ]
وهذا بعينه يتلقى من عباد الأصنام المشركين بالله المكذبين لرسوله.
قالوا: يدعو
محمد إلى إله واحد، ثم يقول: يا الله، يا سميع، يا بصير، فيدعي آلهة متعددة، فأنزل الله -عز وجل-:
قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى [الإسراء:110].
فأي اسم دعوتموه به، فإنما دعوتم المسمى بذلك الاسم.
فأخبر سبحانه أنه إله واحد، وإن تعددت أسماؤه الحسنى المشتقة من صفاته العليا، ولهذا كانت حسنى، وإلا فلو كانت كما يقول الجاحدون لكماله أسماء محضة فارغة من المعاني، ليس لها حقائق، لم تكن حسنى، ولكانت أسماء الموصوفين بالصفات والأفعال أحسن منها.
فدلت الآية على توحيد الذات، وكثرة النعوت، والصفات.
ومن ذلك قول هؤلاء: أخص صفات الإله: القديم، فإذا أثبتم له صفات قديمة، لزم أن تكون آلهة قديمة، ولا يكون الإله واحدا.
فيقال لهؤلاء المدلسين الملبسين على أمثالهم من أشباه الأنعام: إن
المحذور الذي نفاه العقل، والشرع، والفطرة، وأجمعت الأنبياء على بطلانه، أن يكون مع الله آلهة أخرى، لا أن يكون إله العالمين الواحد القهار حيا، قيوما، سميعا بصيرا، متكلما، آمرا، ناهيا، مستويا على العرش فوق السماوات، له الأسماء الحسنى، والصفات العليا.
فلم ينف العقل، والشرع، والفطرة أن يكون للإله الواحد صفات كمال يختص بها لذاته.