شرك القبوريين في هذا الزمان أغلظ من شرك عباد الأوثان
ولقد أخبرني بعض من ركب البحر للحج: أنه اضطرب اضطرابا شديدا، فسمع من أهل السفينة من الملاحين، وغالب الراكبين معهم، ينادون الأموات، ويستغيثون بهم، ولم يسمعهم يذكرون الله قط.
[ ص: 85 ] قال: ولقد خشيت في تلك الحال الغرق; لما شاهدته من الشرك بالله.
وقد سمعنا عن جماعة من أهل البادية المتصلة
بصنعاء: أن كثيرا منهم إذا حدث له ولد، جعل قسطا من ماله لبعض الأموات المعتقدين، ويقول: إنه قد اشترى ولده من ذلك الميت الفلاني بكذا، فإذا عاش حتى يبلغ سن الاستقلال دفع ذلك الجعل لمن يعتكف على قبر ذلك الميت من المحتالين لكسب الأموال.
وبالجملة: فالسيد المذكور -رحمه الله- قد جرد النظر في بحثه السابق إلى الإقرار بالتوحيد الظاهري، واعتبر مجرد التكلم بكلمة التوحيد فقط، من دون نظر إلى ما ينافي ذلك من أفعال المتكلم بكلمة التوحيد، ويخالفه من اعتقاده الذي صدرت عنه تلك الأفعال المتعلقة بالأموات.
وهذا الاعتبار لا ينبغي التعويل عليه، ولا الاشتغال به.
فالله سبحانه إنما ينظر إلى القلوب، وما صدر من الأفعال عن اعتقاد، لا إلى مجرد الألفاظ، وإلا لما كان فرق بين المؤمن والمنافق.
وأما ما نقله السيد المذكور -رحمه الله- عن ابن القيم في أول كلامه، من تقسيم الكفر إلى عملي واعتقادي، فهو كلام صحيح، وعليه جمهور المحققين.
ولكن لا يقول
ابن القيم ولا غيره: إن
الاعتقاد في الأموات على الصفة التي ذكرها هو من الكفر العملي.
وسننقل هاهنا كلام
ابن القيم في أن ما يفعله المعتقدون في الأموات من الشرك الأكبر، كما نقل عنه السيد -رحمه الله- في كلامه السابق، ثم نتبع ذلك بالنقل عن بعض أهل العلم، فإن السائل -كثر الله فوائده- قد طلب ذلك في سؤاله فنقول: