[ ص: 114 ] الفصل الثالث واجب المسلمين إذا طلب السلطان المحاربين وقطاع الطريق فامتنعوا عليه وهذا كله إذا قدر عليهم .
فأما إذا
طلبهم السلطان أو نوابه ، لإقامة الحد بلا عدوان فامتنعوا عليه ، فإنه يجب على المسلمين قتالهم باتفاق العلماء ، حتى يقدر عليهم كلهم ، ومتى لم ينقادوا إلا بقتال يفضي إلى قتلهم كلهم قوتلوا ، وإن أفضى إلى ذلك ، سواء كانوا قد قتلوا أو لم يقتلوا .
ويقتلون في القتال كيفما أمكن ، في العنق وغيره .
ويقاتل من قاتل معهم ممن يحميهم ويعينهم فهذا قتال ، وذاك إقامة حد ، وقتال هؤلاء أوكد من قتل الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام
فإن هؤلاء قد تحزبوا لفساد النفوس والأموال ، وهلاك الحرث والنسل ، ليس مقصودهم إدامة دين ولا ملك ، وهؤلاء كالمحاربين الذين يأوون إلى حصن ، أو مغارة أو رأس جبل ، أو بطن واد ، ونحو ذلك ، يقطعون الطريق على من مر بهم ، وإذا جاءهم جند ولي الأمر تطلبهم للدخول في طاعة المسلمين والجماعة ; لإقامة الحدود ، قاتلوهم ودفعوهم مثل
الأعراب الذين يقطعون الطريق على الحاج أو غيره من الطرقات أو الجبلة الذين يعتصمون برءوس الجبال أو المغارات ; لقطع الطريق .
كالأحلاف الذين تحالفوا لقطع الطريق بين
الشام والعراق ويسمون
[ ص: 115 ] ذلك النهيضة ، فإنهم يقاتلون كما ذكرنا .
لكن قتالهم ليس بمنزلة قتال الكفار ، إذا لم يكونوا كفارا ، ولا تؤخذ أموالهم ، إلا أن يكونوا أخذوا أموال الناس بغير حق ، فإن عليهم ضمانها فيؤخذ منهم بقدر ما أخذوا ، وإن لم تعلم عين الآخر ، وكذلك لو علم عينه ، فإن الردء والمباشر سواء كما قلناه ، لكن إذا عرف عينه كان قرار الضمان عليه ، ويرد ما يؤخذ منه على أرباب الأموال ، فإن تعذر الرد عليهم كان لمصالح المسلمين ، من رزق الطائفة المقاتلة لهم وغير ذلك .
بل المقصود من قتالهم التمكن منهم لإقامة الحدود ومنعهم من الفساد ، فإذا
جرح الرجل منهم جرحا مثخنا ، لم يجهز عليه حتى يموت ، إلا أن يكون قد وجب عليه القتل ، وإذا هرب وكفانا شره لم نتبعه ، إلا أن يكون عليه حد ، أو نخاف عاقبته .