العقوبات التي جاءت بها الشريعة لمن عصى الله ورسوله نوعان : أحدهما : عقوبة المقدر عليه ، من الواحد والعدد كما تقدم .
والثاني : عقاب الطائفة الممتنعة ، كالتي لا يقدر عليها إلا بقتال فاصل ، هذا هو جهاد الكفار أعداء الله ورسوله ، فكل من بلغه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دين الله الذي بعثه به فلم يستجب له ، فإنه يجب قتاله { حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } .
فذكر ما يولده عن أعمالهم ، وما يباشرونه من الأعمال ، والأمر بالجهاد ، وذكر فضائله في الكتاب والسنة ، أكثر من أن يحصر ، ولهذا كان أفضل ما تطوع به الإنسان ، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة ، ومن الصلاة التطوع ، والصوم التطوع ، كما دل عليه الكتاب والسنة ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : { nindex.php?page=hadith&LINKID=25452رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد } .
وفي السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=7814إن لكل أمة سياحة ، وسياحة أمتي الجهاد في سبيل الله } . [ ص: 165 ] وهذا باب واسع ، لم يرد في ثواب الأعمال وفضلها ، مثل ما ورد فيه ، فهو ظاهر عند الاعتبار ، فإن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا ، ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة ، فإنه مشتمل من محبة الله - تعالى ، والإخلاص له ، والتوكل عليه ، وتسليم النفس والمال له ، والصبر والزهد ، وذكر الله وسائر أنواع الأعمال ، على ما لا يشتمل عليه عمل آخر .
والقائم به من الشخص والأمة بين إحدى الحسنيين دائما ، إما النصر والظفر ، وإما الشهادة والجنة ، ثم إن الخلق لا بد لهم من محيا وممات ، ففيه استعمال محياهم ومماتهم في غاية سعادتهم في الدنيا والآخرة ، وفي تركه ذهاب السعادتين أو نقصهما ، فإن من الناس من يرغب في الأعمال الشديدة في الدين أو الدنيا ، مع قلة منفعتها ، فالجهاد أنفع فيهما من كل عمل شديد ، وقد يرغب في ترقية نفسه حتى يصادفه الموت ، فموت الشهيد أيسر من كل ميتة ، وهي أفضل الميتات .