باب ذكر الربا في الصرف والوجه الذي يجوز عليه الصرف
الربا
يدخل في الصرف إذا كان من جنس واحد -ذهبا بذهب، أو فضة بفضة- من وجهين التفاضل والنساء، ولا يجوز إلا مثلا بمثل، يدا بيد.
ويدخل في الجنسين، وهو
بيع الذهب بالورق من وجه، وهو النساء، فيجوز متفاضلا يدا بيد، والحكم في المصارفة بالتبر الذي لم يعمل والمسكوك، والحلي والذهب المكسور، والآنية تباع لتكسر أو لتبقى على قول من أجاز اتخاذها للجمال ولغير الاستعمال، والعين تكون دينا في الذمة فيباع بعين من جنسه أو من غير جنسه، سواء فيما يطلب من المناجزة والمماثلة.
ومن المدونة قال
nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم فيمن اشترى حليا مصوغا، فنقد بعض ثمنه ولم ينقد بعضا: تفسد الصفقة كلها.
وقال فيمن
له قبل رجل مائة دينار فباعها منه بألف درهم، فنقده تسعمائة، ثم فارقه عله أن يدفع إليه المائة الباقية، قال: ترد الدراهم، وتكون له الدنانير بحالها. فأفسد جميع المصارفة; لأنها صفقة جمعت حلالا وحراما.
وذكر
ابن القصار في ذلك قولا آخر أنه يمضي الحلال ويبطل الحرام.
وهو أبين إذا كان الحلال نصف الصفقة فأكثر; لأنه لم يشتر أحدهما للآخر، فإن كان الحرام أكثر فسخ جميع العقد; لأنه لم يرض بصرف ما
[ ص: 2770 ] يتناجزان فيه إلا بمكان ما تأخر قبضه، وهو جل الصفقة، وهذا إذا عقد على تأخير بعض الصفقة، فإن عقد على المناجزة في الجميع فوجد معه البعض، ثم افترقا على أن يأتي بما عجز، نظرت، فإن كان العاجز أقل الصفقة لم يفسخ إلا بقدر ما لم يتناجزا فيه، وهذا فيما بينه وبين الله تعالى.
واختلف إذا عثر عليها في ذلك، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم في المدونة: يفسخ جميع العقد. وقال في كتاب
محمد: لا يفسخ إلا بقدر ما عجز.
وهذا هو الأصل; لأنه إذا عجز أقل الصفقة كان الصرف منعقدا في الحاضر، ولا خيار فيه لواحد منهما، وإذا كان ذلك، كان التراضي بالبقاء على المصارفة في العاجز، كصرف مبتدأ منفصل من الأول، والفسخ حماية، لئلا يتذرع الناس إلى الصرف المتأخر.
واختلف فيمن
صرف مائة دينار بألف درهم، فوجد معه خمسين دينارا، ففي كتاب محمد يكون مشتري الدنانير فيما حضر بالخيار بين أن يتمسك به أو يرده، كالطعام يستحق بعضه.
وخالف
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب في الطعام، وجعل الجواب فيه كالجواب في العروض، ألا خيار له في رد ما لم يستحق، وعلى هذا لا يكون لهذا خيار في الصرف.
وأرى أن يرجع في ذلك إلى ما يقوله أهل المعرفة، فإن قالوا: إن شراء
[ ص: 2771 ] النصف والجميع على سعر سواء- لم يكن خيار في الحاضر، وإن قالوا: ذلك يختلف، وشراء الجملة أغلى أو أرخص- كان له أن يرد; لأنه يقول: إذا كانت الجملة أغلى لم أشتر على سعر غال إلا رغبة في شراء مائة، ولو علمت أنها قليلة لم أشتر إلا بدون ذلك. وإن كان أرخص قال: حاجتي إلى مائة، فإن تكلفت شراء الخمسين التي عجزت اشتريتها غالية.
وعلى هذا يجري الجواب إذا استحق بعض الدنانير بعد المناجزة، فإن كان المستحق يسيرا كان الصرف منعقدا فيما لم يستحق، ولا خيار لواحد منهما، وإن كان أكثر الصفقة كان الخيار للمشتري يرد إن شاء، وإن كان النصف كان له أن يرد على قول
محمد، وليس ذلك له على قول
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب، وقد تقدم وجه ذلك.
وإن كانت الدنانير سككا مختلفة والدراهم سكة واحدة، فاستحق سكة من الدنانير انتقض ما ينوبها، وإن استحق بعض الدراهم، وكان المستحق النصف- انتقض من كل سكة نصفها، ولا تخص بذلك سكة دون الأخرى.
وإن بيعت خلاخل فضة بدنانير، فاستحق بعض الخلاخل، فإن كانت جملة عدد استحق زوج منها- انتقض الصرف في المستحق وحده; لأن الدراهم سكة واحدة، فإن استحق فرد رد المشتري صاحبه معه; لأن استحقاق الفرد عيب على المشتري في الباقي، وإن استحق نصف الدراهم انتقض فرد من كل زوج من الخلاخيل، ثم كان كل واحد من المتبايعين بالخيار في الباقي بين أن يمسك بها أو يردها، فإن أحب المشتري التمسك كان للبائع أن يقوم برده;
[ ص: 2772 ] لأن الاسترجاع لفرد عيب على البائع في المردود، بمنزلة لو اطلع على عيب في أحدهما، لم يكن له أن يرده إلا وأخوه معه.