صفحة جزء
باب [في بيع السيف المحلى وغيره من آلة الحرب والحلي والمصحف]

تقدم ذكر السيف يكون نصله تبعا لحليته أنه يجري في البيع على أحكام الصرف.

واختلف إذا كانت الحلية تبعا للنصل وهي فضة هل تباع بفضة نقدا أو تباع بفضة أو ذهب إلى أجل؟ أو كانت ذهبا، هل تباع بذهب نقدا، أو تباع بذهب أو فضة إلى أجل؟ على أربعة أقوال:

فأجاز مالك وابن القاسم أن يباع بجنس حليته نقدا، ومنعا أن يباع بفضة أو ذهب إلى أجل، فإن نزل ذلك فسخ ورد، إلا أن يفوت بأن تنقض حليته وتفرق فيمضى ولا يرد.

وقال أشهب في كتاب محمد: يكره، فإن نزل مضى ولا يرد.

وأجاز ذلك ربيعة وسحنون ابتداء أن يباع بجنس حليته وبغيرها نقدا وإلى أجل.

قال سحنون: ولو استحقت الحلية ما كان له أن يرجع عنها بشيء؛ لأنه لا حصة لها، وهي كمال العبد.

وقال محمد بن عبد الحكم: لا يجوز عندي أن يباع سيف فيه فضة بفضة [ ص: 2825 ] نقدا، وإن كانت تبعا، وهو قول عمر وابن عمر - رضي الله عنهما -.

قال أنس - رضي الله عنه -: "أتانا كتاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ونحن بأرض فارس ألا تبيعوا السيوف فيها حلية فضة بدراهم".

وقال نافع: كان ابن عمر لا يبيع سيفا ولا سرجا فيه فضة حتى ينزعها ثم يبيعها وزنا بوزن.

ولم يختلفوا إذا كانت الحلية منقوضة، وهي تبع أنه لا يجوز أن يباع السيف وحليته بجنسها نقدا ولا إلى أجل.

وأرى إذا كانت الحلية قائمة بنفسها صيغت ثم ركبت وسمرت- أن يكون لها حكم المنقوض؛ لأنه ليس في ذلك أكثر من أنها سمرت بمسمار، ولا كبير مضرة في نزعها وردها، وإن كان شيء موه به في السيف أو شيء أنزل في قائم السيف ويشق نزعه: أن يجوز نقدا وإلى أجل إذا كانت تبعا.

واختلف في حلية الرمح والسكين والترس والفاتخة، فمنع ذلك مالك وابن القاسم، قال مالك: وإنما يفعل الناس ذلك على وجه السرف فلا يجوز أن يعمل، فإن عمل وكان تبعا لم يجز أن يباع بما فيه، وإن كان نقدا. [ ص: 2826 ]

وقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر: لا بأس بالحلي في المنطقة.

وقال عبد الملك بن حبيب: كل مفضض من المناطق والأسلحة فهو كالسيف، إن كانت فضته تبعا لثمن الجميع بيع بفضة نقدا، وإن لم يكن تبعا بيع بذهب نقدا.

وهذا أشبه؛ لأن ذلك ليس من السرف، كما قال في السيف وغيره. وإنما أجيز ذلك في السيف لما كان من آلة الجهاد؛ لأن فيه إرهابا على العدو.

وكذلك الرمح والترس والفاتخة والسرج واللجام، كل ذلك مما يرهب به على العدو، وقد يرى أن ذلك لأنه رجل كبير في قومه، وأن له شجاعة وفضلا على غيره، ولأن ذلك مما يزيد في قوة نفسه، وألا ينزل نفسه في القتال منزلة من لا يؤبه له.

وأجاز مالك حلية المصحف. قال ابن القاسم: ورأيت لمالك مصحفا محلى بفضة.

وأجاز مالك في كتاب محمد أن يحلى السيف والمصحف والخاتم بالذهب. وأجازه في المدونة في السيف، فقال: ولا يجوز أن يبيعه بذهب ولا بفضة نسيئة إذا كان فيه شيء من الذهب والفضة قليلا كان أو كثيرا.

وقد قيل: إنه لا يحلى بذهب. [ ص: 2827 ]

والأول أحسن؛ لأن الفضة لم تجز إلا لما تقدم ذكره من الترهيب، فهو في الذهب أبين. وجاز ذلك في المصحف إعظاما لكتاب الله عز وجل، وإجلالا لحرمته. وأجازه مالك في كتاب محمد في الخاتم كان الذهب أقل من الثلث أو أكثر.

فإن كان الذهب أكثر بيع بالفضة، وإن كانت الفضة أكثر بيع بالذهب، فإذا كان الذهب الأكثر لم يجز استعماله إلا للنساء دون الرجال.

ولا يجوز أن تحلى الأواني بذهب ولا بفضة ولا الأقداح ولا غير ذلك.

التالي السابق


الخدمات العلمية