صفحة جزء
باب السلم في العبيد والإماء

العبيد عند مالك صنف واحد وإن اختلفت قبائلهم وأجناسهم، البربري والنوبي والصقلبي وغيرهم، لا يجوز أن يسلم أحدهم في الآخر؛ لأن المراد من جميعهم معنى واحد، وهو الخدمة، وتنقلهم الصنائع فتصيرهم أصنافا، فيسلم أحدهما في الآخر إذا كانا تاجرين مختلفي التجارة، بزازا وعطارا، أو صانعين مختلفي الصنعة، نجارا وخياطا، ويسلم التاجر في الصانع ولا يسلم تاجر ولا صانع فيما يراد منه الخدمة ولا تجارة له ولا صناعة، وهو كإسلام الجيد في الدنيء إلا أن يتبين بفراهة أو جمال فتدخله المبايعة، ويجوز أن يسلم التاجر والصانع في عدد يراد منهم الخدمة.

واختلف في الحساب والكتابة هل يكون بها كالصنعة؟

وأرى إن كان يراد ليجلس لذلك، ومنه يعول على سيده أن يكون كالصنعة، وإن كان يراد للخدمة وإنما ذلك زيادة إن احتيج إليه استعمل فيه لم يكن كالصنعة.

والإماء صنف واحد لا يسلم بعضهن في بعض ما لم تكن ذات صنعة، تسلم الواحدة في الاثنتين وأكثر، مما لا صنعة عندها.

قال مالك في كتاب محمد: والطبخ والخبز صنعة، وقال ابن القاسم: والرقم صنعة، يريد إذا كان ذلك المقصود منها، قال: وليس الغزل وعمل [ ص: 2889 ] الطيب صنعة، والنساء أجمع يغزلن.

يريد: ما لم تبن بذلك ويكون ذلك المقصود منها ولمثله تراد.

واختلف في موضعين:

أحدهما: هل يكون الجمال ومن تراد للفراش صنفا تبين بذلك عن غيرها؟

والثاني: هل الذكران مع الإناث صنف واحد أو صنفان؟

وقد ذهب ابن القاسم إلى أنهن صنف واحد، ومنع أن يسلم العلي في الوخش.

وأجاز ذلك مالك وابن وهب وأصبغ.

فقال مالك في كتاب محمد: لا بأس بالجارية الرائعة بالجاريتين دونها، قال: وكل ما اختلف من هذا فالنسيئة فيه تحل. وقاله ابن وهب.

وقال أصبغ: لا بأس أن تسلم جارية جميلة فصيحة في جاريتين إلى أجل، وظاهر قول مالك أنه أجاز رائعة في رائعتين دونها، وهذا هو الأصل كما يجوز سابق في عدد دونه، وحمال في عدد دونه في الحمل، وأن أعلى الجنس الواحد وحواشيه صنفان. [ ص: 2890 ]

وقال ابن حبيب: الذكران والإناث صنف واحد.

وعلى قول مالك في العتق الأول يكونان صنفين؛ لأنه قال فيمن قال: كل عبد أملكه، وكل جارية أشتريها فهي حرة: لا شيء عليه؛ لأنه عم الجواري والغلمان فلم يلزمه اليمين إذا عم العبيد، وإن كان قد أبقى خدمة الإناث أو عم الإناث، وأبقى خدمة الذكران، ولو كانا عنده صنفا واحدا، لألزمه الحنث إذا أبقى أحد الصنفين.

وقال ابن الماجشون: يلزمه اليمين إذا حلف على أحدهما وأبقى الآخر، ورأى أنهما شيء واحد.

وقول مالك في ذلك أحسن؛ لأن الخدمة مختلفة، فخدمة الذكران بالتصرف فيما يكون من الخدمة خارج البيت والأسفار والحرث وما أشبه ذلك، وخدمة الإماء ما يتعلق بالبيت من خبز وغسل وطبخ وما أشبه ذلك، وذلك معلوم عند الناس، ولا يشتري أمة من احتاج إلى خدمة عبد، ولا عبدا من احتاج إلى خدمة أمة.

وأما الكبار والصغار فينبغي أن يكونا صنفين، فيسلم كبير في صغيرين، وصغيران في كبير، ولا يسلم كبير في صغير ولا صغير في كبير إلا أن يكون الكبير من الوخش، ولا يراد إلا للخدمة، والصغير له جمال، وممن يرى أنه إن كبر يراد للتجارة أو للصنعة فتدخله المبايعة. [ ص: 2891 ]

وقال ابن القاسم في العتبية: لا يسلم صغير في المهد في كبير؛ لأنه عنده من باب سلف بزيادة، ولو كان الصغير فوق هذا السن فيما يبين أن القصد المبايعة لجاز.

ومنع ابن حبيب أن يسلم الصغار في الكبار. يريد: إذا تساوى العدد، أو كان الكبار أكثر عددا، وأما إن كان الصغار أكثر عددا، جاز. [ ص: 2892 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية