صفحة جزء
باب في السلم في الثمار

السلم في الثمار على ثلاثة أوجه:

في ثمر قرية مأمونة، أو غير مأمونة، أو حائط بعينه.

فإن كانت قرية مأمونة، جاز أن يسلم في ثمارها قبل أن تزهي، ليأخذ ذلك من ثمار عامه أو بعد عامين أو ثلاثة، ويأخذ ذلك زهوا أو رطبا أو تمرا.

وإن كانت قرية غير مأمونة، أو كان حائطا بعينه، لم يسلم فيها إلا بعد أن تزهي، ليأخذ ذلك زهوا أو رطبا، ولا يسلم في تمرها، وإن كانت ثمارها قد أرطبت أسلم في رطبها، ولا يسلم في تمرها، والقرية الصغيرة والحائط بعينه في هذا سواء.

ويفترقان في رأس المال، فإنه يجب تعجيله إذا كان السلم في ثمار تلك القرية؛ لأنه مضمون في الذمة، ويجوز أن يسلم لمن ليس له فيها ملك، وإن كان حائطا بعينه جاز تأخير رأس المال، ولا يجوز أن يسلم إلا لمن يملك تلك الثمار.

ويفترقان أيضا في أنه لا يسلم في القرية إلا فيما الغالب أنه يقدر على شرائه من سوق تلك القرية، أو من أصحابها إن لم يكن عندهم سوق، فإن لم يكن شأنهم البيع أو الذي يباع عندهم قليل، ولا يقدر هذا في الغالب على شراء القدر المسلم إليه فيه مع جملة المشترين، لم يجز. [ ص: 2893 ]

والسلم في الحائط المعين يجوز بشروط، وهي: أن يكون السلم بعد أن أزهى، ويشترط أخذه زهوا أو رطبا بحسب ما تقدم. ويبين أخذ ذلك هل هو في يوم أو في أيام؟

فإذا كانت أياما فليسلم عددها، وهل هي متوالية أو متفرقة؟ ومبتدأها ومنتهاها، وإذا كانت متوالية أجزأ ذكر مبتدئها عن ذكر آخرها.

ويذكر ما يأخذه كل يوم، ويكون ذلك الذي شرط أخذه لا يتعذر قبضه في كل يوم من تلك الأيام، ويبقى زهو ذلك الحائط أو رطبه إلى آخر تلك الأيام، ولا ينقطع قبل ذلك، فإن شك هل يقدر على توفية ذلك القدر في كل يوم من تلك الأيام، أو هل يبقى الزهو أو الرطب إلى آخر تلك الأيام المسماة، لم يجز، ويجوز العقد بغير نقد.

ومعنى السلم في هذا: إن تقدم رأس المال، فهو إسلام لرأس المال، وإذا لم يقدم رأس المال، لم يسم سلما.

والسلم يطلق على ما قدم فيه رأس المال، سواء كان السلم في معين، أو فيما هو مضمون في الذمة.

واختلف إذا أسلم تمر حائط وهو زهو أو قد أرطب ويأخذ ذلك تمرا، [ ص: 2894 ] فقال مالك في المدونة: ليس بالحرام البين، وأكره أن يعمل به، فإن عمل به وفات لم يرده، وقوله هذا محتمل، هل يفوت بالعقد أو بالقبض؟

وقال في كتاب محمد: لا يفسخ إن وقع.

وقال مالك في كتاب ابن حبيب: يفسخ ما لم يقبض.

والأول أحسن، والقياس أن ذلك يجوز ابتداء لوجهين:

أحدهما: حديث أنس وجابر - رضي الله عنهما - قالا: «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها».

وهذا نص على جواز البيع فيها بعد بدو الصلاح الجزاف والمكيل؛ لأنه لم يفرق؛ لأن محمل النهي عن البيع قبل بدو الصلاح على البقاء؛ لأن بيعها قبل ذلك على الجداد جائز.

ولو حمل الحديث على الجزاف لقيس المكيل عليه؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبان أن النهي عن البيع قبل بدو الصلاح على البقاء لمكان الغرر خوف الجوائح، فبان بهذا أن البيع بعد ذلك لا غرر فيه. [ ص: 2895 ]

فإذا لم يكن فيه غرر، جاز على الجزاف والمكيل، وذلك أن الضمان في الجزاف من البائع حتى يقبضه المشتري، والمكيل كذلك، ولا يعترض هذا بالجائحة في الجزاف إذا كانت أقل من الثلث؛ لأنه في معنى ما لم يقع عليه بيع.

وقد قال أبو محمد عبد الوهاب: إنما لم يرجع بما دون الثلث؛ لأن الغالب من الثمار السقوط، وإذا كان كذلك، فالمعتبر ما وقع عليه البيع بغير خلاف، وهو أن يصاب جملتها أو الثلث فصاعدا.

وقال ابن القاسم: إذا أسلم في حائط بعينه ليأخذ ذلك زهوا أو رطبا في يوم بعينه، ثم رضي صاحب الحائط أن يقدم ذلك قبل الأجل، فلا بأس به إذا رضي الذي له السلف، وكان صفته بعينها.

فأجاز أن يأخذ ما طاب الآن عما يطيب بعد، وهو طعام بطعام ليس يدا بيد، فإن كان القصد من صاحب الحائط المعروف بالتعجيل، جاز، وإن كان القصد المبايعة، ليتصرف في ثمار حائطه، فإن أجيحت الثمار بعد ذلك، لم يرجع بشيء، جاز، وإن كان ليرجع بمثل ما دفع، لم يجز، إلا أن يكون ذلك على وجه السلف، فيجوز.

ومنع ابن القاسم في كتاب الحبس إذا وهب عشرة أقساط من دهن جلجلانه، ثم أراد أن يعطي عشرة أقساط من غيره، وقد مضى بيانها في كتاب الحبس. [ ص: 2896 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية