صفحة جزء
باب في ذكر السلم في المصنوعات

وقال ابن القاسم فيمن استصنع طستا، أو قمقما، أو استنحت سرجا: إن ذلك جائز إذا كان مضمونا، وضرب الأجل، وقدم رأس المال، ولم يكن يعمل من شيء بعينه.

ويفترق الجواب في المعين يشتريه ليعمله بائعه على ثلاثة أوجه:

فإن كان لا تختلف الصفة التي يكون عليها إذا صنع، جاز، كالذي يشتري القمح على أن يطحنه بائعه، والزيتون على أن يعصره فيأخذ منه كيلا معلوما، والثوب منه على أن يخيطه.

وإن كان يختلف خروجه إلا أنه يعاد إلى حاله الأول، فتعاد صنعته، حتى يأتي على الصفة التي يشترط، جاز أيضا، وذلك كالحديد، والنحاس، والرصاص، يقول: أشتريه منك على أن تعمل منه كذا وكذا، فهذا يجوز; لأنه إن خرج على غير الصفة التي شرط أعاده مرة أخرى، حتى يصنعه على الصفة التي شرط، إلا أن يكون شراؤه جملة ذلك الرصاص، فلا يجوز; لأنه كلما أعيد نقص، فلا يقدر أن يعمل بالثاني إلا دون الأول.

وإن كان ذلك مما لا يختلف خروجه، ولا يعاد لهيئته الأولى لم يجز، كالثوب يشترط صبغه، والغزل يشترط نسجه، والعود على أن يعمله [ ص: 2920 ] تابوتا أو بابا.

ولو كثر الغزل فاشترط أن يعمل منه ثوبا وكان إن أتى من بعضه على غير الصفة، عمل من نفسه حتى يأتي على الصفة، لجاز.

واختلف فيمن استأجر أجيرا ليأتيه بالغلة: فأجيز، ومنع.

ويلزم على قوله في الأجير يأتيه بالغلة أن يجوز أن يشتري الثوب على أن يصبغه; لأن الأجير باع منافعه على أن يبيعها، والمشتري لا يدري ما يأتيه به.

وقد قيل أيضا فيمن اشترى سلعة على أن يبيعها بائعها: إن ذلك غير جائز، وكأنه اشترى الثمن الذي تباع به، وكل هذا جائز على قوله في الأجير يستأجره ليأتي بالغلة: إنه جائز، وإذا جاز البيع; لأن ذلك مما لا يختلف خروجه، أو كان يختلف ويعاد لهيئته فإنه يجوز إذا شرع في العمل، ويجوز تأخير رأس المال، ثم يجري حكمه فيما بعد ذلك على الجواب في بيع وإجارة.

فإن هلك ذلك القمح قبل طحنه، أو الثوب قبل خياطته، أو الحديد والنحاس قبل صنعته، وكان هلاكه ببينة، أو لم تكن بينة، ولم يكن البائع ممن انتصب لتلك الصنعة، وحلف على ضياعه، كانت مصيبته من مشتريه، وحط عن المشتري قدر الصنعة، الطحن أو الخياطة، أو غير ذلك.

وإن كان ممن انتصب لتلك الصنعة ضمنه بالقيمة لا بالثمن الذي بيع به; لأن التمكين في المبيع قد تقدم، وإنما بقي لموضع الصنعة، ويكون على المشتري [ ص: 2921 ] ما ينوبه من الثمن، ويحط عنه ما ينوب الصنعة حسبما تقدم.

وأما الزيتون إذا كان على البائع عصره ليأخذ منه مكيله، فإن مصيبته من بائعه، وإن قامت البينة على ضياعه; لأن كل مبيع على الكيل مصيبته من بائعه حتى يكال.

ولو لم يسلم في الغزل على أن ينسج واشتراه على أنه إن خرج على ما وصفا أخذه ونقد، وإن خرج على غير ذلك كان لبائعه جاز. [ ص: 2922 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية