فصل [في
اختلاف المتبايعين في الثمن قبل قبض المبيع]
وإذا
اختلف المتبايعان في الثمن قبل قبض المبيع; تحالفا وتفاسخا.
واختلف في ستة مواضع:
أحدها: من يبدأ باليمين؟ والثاني: هل ينفسخ البيع بنفس أيمانهما، أو حتى يتفاسخا، أو حتى يحكم بالفسخ؟ والثالث: إذا نكلا هل ذلك كأيمانهما؟ والرابع: هل يحلف كل واحد منهما على إثبات دعواه أو على نفي دعوى صاحبه؟ والخامس: إذا أتى أحدهما بما لا يشبه هل يكون القول قول الآخر، أو الحكم التحالف؟ والسادس: إذا تغير سوقها، أو تغيرت في نفسها، هل ذلك فوت يوجب قبول قول المشتري، أو ليس بفوت فيتحالفان ويتفاسخان؟ فقال مالك: يبدأ البائع باليمين . وقال في العتبية: يبدأ المشتري .
فوجه الأول : قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=67343 "إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قال [ ص: 2987 ] البائع أو يترادان" .
ولأنه في سلعته أقوى سببا، ولأنه المبدأ إذا أنكر البيع، وكذلك إذا أنكر أن يكون باع إلا بكذا.
ووجه القول الآخر: أن البيع نقل الملك والاختلاف الآن في الثمن لا في المبيع، فكان المبدأ الغارم وهو المشتري، فإذا حلف أنه لا يستحق قبله الثمن الذي ادعاه عاد المقال إلى البائع، فقال: لا تأخذ مني سلعتي بما لم أقر به.
واستحسن أن يقترعا على أيهما يبدى; لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر، فالبائع مبدى في ملكه وهي السلعة، والمشتري مبدى في ملكه وهو الثمن، وكل واحد يحب أن يؤخر يمينه لموضع ينتفع بها.
وإن كان الباقي منهما المشتري، حلف واستحق المبيع بخمسين، وإن كان البائع حلف واستحق مائة، وإنما يكره أن يحلف عند يمين الأول; لأن اليمين لا يفيده حينئذ إلا الفسخ.
وإذا تحالفا لم يفسخ البيع بنفس التحالف، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم ، فإن رضي البائع بعد أيمانهما أن يمضي البيع بخمسين لزم المشتري، وإن رضي المشتري أن يقبلها بمائة لزم البائع.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون: بتمام التحالف ينفسخ البيع كاللعان .
[ ص: 2988 ]
وقال
محمد بن عبد الحكم: لا ينفسخ بنفس التحالف، وكل واحد منهما بالخيار، فإن لم يرضيا فسخاه بغير حكم .
وهو أحسن; لأن قصد كل واحد منهما بيمينه إثبات دعواه، وألا يؤخذ منه ما لم يقر به إلا أن يكونا عقدا أن تلك الأيمان فسخ، فيكون على ما تراضيا عليه.
وقد تقدم الاختلاف إذا تناكلا هل يفسخ البيع أو يكون القول قول من يبدأ باليمين؟
والأول أصوب; لأن كل يمين بدي بها أحد فنكل عنها ثم ردت اليمين فنكل عنه من ردت عليه، فإن الحكم يعود إلى ما كان يجب لو حلف المبدى.
فالحكم إذا بدي البائع فيحلف أنه لم يبع إلا بمائة أن تبقى السلعة بيده ليس يستحق المائة، فكذلك إذا نكل المشتري بعد نكوله تبقى سلعته له حسبما كان لو حلف، ولو كانت التبدية ليستحق المائة لم يحلف المشتري بعد يمينه، وكذلك لو بدي المشتري ثم نكلا لم يكن له أن يأخذ السلعة بخمسين; لأنه لم يبد ليأخذها بذلك، وإنما بدي، لئلا يأخذ من ماله ما ادعاه الآخر.
واختلف هل يحلف كل واحد منهما على إثبات دعواه، أو على تكذيب دعوى صاحبه؟
وأرى أن كل واحد منهما بالخيار، فإن أحب البائع حلف أنه لم يبع إلا بمائة احتياطا، فإن نكل المشتري استحق المائة بتلك اليمين، وإن أحب حلف
[ ص: 2989 ] أنه لم يبع بخمسين، فإن نكل المشتري بعد ذلك، حلف البائع يمينا أخرى أنه باع بمائة واستحقها; لأن يمينه ما باع بخمسين، لا تفيد أكثر من أنه لا تؤخذ منه سلعته بها.
وإن بدي المشتري كان بالخيار بين أن يحلف أنه اشترى بخمسين، فإن نكل البائع، غرم خمسين، أو يحلف أنه لم يشتر بمائة; لأنه يقول: يميني الآن أني اشتريت بخمسين لا تفيد أكثر من أن لا ألزم بالمائة، فإن نكل بعد ذلك البائع لم يستحقها إلا بيمين ثانية.
واختلف إذا أتى أحدهما بما لا يشبه:
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم: يتحالفان ويتفاسخان .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13055عبد الملك: القول قول من أتى بما يشبه، فإن كان البائع حلف وأخذ مائة، وإن كان المشتري حلف ودفع خمسين ، واختلف فيها قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك حسبما تقدم .
وأرى أن يكون القول قول من أتى بما يشبه; لأنه دليل كشاهد يحلف معه.
وهذا إذا أتى الآخر بما لا يشبه في الغالب إلا أنه مما يمكن أن يباع به، فأما إن قال: بعتني بعشرة ما ثمنه مائة، أو يقول الآخر: اشتريت بمائة ما ثمنه عشرة، وهما من أهل البصر بتلك السلعة، فإن القول قول من أتى بما يشبه;
[ ص: 2990 ] لأن قول الآخر في معنى المستحيل، وهو بمنزلة من أقر بالبيع أو بالشراء وكتم الثمن، فإن القول قول من ادعى معرفته.
واختلف هل تكون مع ذلك يمين؟ ويختلف إذا تغيرت سوق السلعة، أو تغيرت في نفسها، وهي محبوسة بالثمن، فعلى القول أن المصيبة من البائع، يكون التحالف إذا تغيرت سوقها، وإن حدث بها عيب رد به من غير يمين إلا أن يرضى المشتري بذلك العيب، فيعود الأمر في الأيمان إلى ما تقدم لو لم يحدث العيب.
وعلى القول إن المصيبة من المشتري يكون مصيبة ذلك القدر من المشتري، فإن كان يحط ربع الثمن غرم المشتري ربع الثمن على ما أقر به، ويتحالفان ويتفاسخان في الباقي، وإلى هذا ذهب
ابن عبدوس في هذه المسألة; لأن المبيع كالرهن لما كان محبوسا بالثمن فما هلك خرج من الرهن، وكان القول قول الغارم عنه، وما بقي لم يخرج من يد مرتهنه بغير ما يقول، والرهن شاهد على نفسه.
واختلف إذا كان الاختلاف في جارية فصارت الى البائع بعد أيمانهما، أو بعد نكوله ويمين المشتري، أو صارت الى المشتري بعد نكوله ويمين البائع، هل تحل لمن صارت اليه أن يصيبها؟
وأرى أن ذلك جائز من جهة من رفع يده عنها، وجائز لمن صارت اليه إذا قبلها; لأن الآخر رضي أن تكون ملكا لمن صارت اليه، وإن لم يرض بها من صارت اليه، وقال: إنما غصبني الآخر مالي، وسلمها إليه لم تحل له، وكان بالخيار بين أن تبقى في يده ولا يخلو بها، أو يبيعها، فإن عجز عن ما بيعت به
[ ص: 2991 ] أتبع به صاحبه في الآخرة، وإن فضل فضل وقفه، فإن رجع الآخر أخذه.