صفحة جزء
فصل [في السلعة يبتاعها الرجل ثم يفلس وهي عنده بعينها]

البائع أحق بسلعته في الفلس وهو أسوة في الموت لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيما رجل ابتاع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض البائع من ثمنه شيئا فوجده بعينه، فهو أحق به، فإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء" ذكره مالك في الموطإ غير مسند ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به" ، وقال أيضا: "فصاحبه الذي باعه أحق به"، [ ص: 3170 ] رواه مسلم.

واختلف في ثلاث مسائل:

إحداها: هل يكون أحق في الفلس بالعين، وإن كان من بيع.

والثاني: هل يكون أحق بالعرض إذا كان من قرض.

والثالث: هل يكون أحق بالسلعة إذا كانت من بيع وهل يكون أحق بالسلعة إذا كانت عن بيع، وأحيل بثمنها وفلس المحال عليه.

فقال مالك وابن القاسم في المدونة فيمن أسلم عينا دنانير أو دراهم هو أحق بها في الفلس إذا عرفت، وهي كالمكيل والموزون، وقال أشهب: هو أسوة. [ ص: 3171 ]

وفي كتاب محمد فيمن أقرض عرضا أو عبدا هو أسوة، قال: وإنما جاء الحديث في البيع، وقال أبو محمد الأصيلي: هو أحق كالبيع، وقال أصبغ في كتاب محمد: إذا فلس المحال عليه لم يكن المحال بالثمن أحق بتلك السلعة التي باعها المحيل.

وقال محمد: هو أحق، والقول أنه أحق بالعين وبالعرض أحسن لعموم الحديث: "أيما رجل أدرك ماله" ولم يخص، وقياسا على العرض إذا كان من بيع لأنه لم يكن أحق لكونه عرضا، وإنما كان ذلك لأنه عين متاعه، وإن منع أن يقول القياس كان في البيع أنه أسوة لأن البيع نقل الملك، وإنما له ثمن في الذمة فهو فيه أسوة الغرماء، فيتبع الحديث فيما ورد فيه، ويبقى ما سواه على الأصل، وقياسا على الموت، وأما الحوالة فجواب ابن القاسم أنه لا يكون أحق على أصله أن الحوالة بيع، ويصح قول محمد على أصل أشهب أنها على وجه المعروف، وليست ببيع.

ولو اشترى رجل ذلك الدين ثم أفلس مشتري السلعة لم يكن مشتري الدين أحق بها، ولو تصدق بالدين لكان المتصدق عليه أحق به قال ابن القاسم في العتبية: إذا فلس المشتري بعد بيعه للسلعة، وحاص البائع الغرماء ثم ردت بعيب كان للبائع أن يرد ما أخذ في الحصاص ويأخذ سلعته .

ويصح أن يقال: ذلك حكم مضى فلا يرد، وقاله ابن حبيب فيمن اشترى سلعة ثم باعها ثم ظهر على عيب فرجع بقيمته ثم ردت عليه لم يردها على [ ص: 3172 ] الأول، قال: لأن رجوعه بالعيب حكم فلا يرد.

واختلف فيمن باع عبدا فأبق عند المشتري ثم فلس، فقال ابن القاسم للبائع أن يطلبه على أن ألا شيء عنده غيره أو يحاص وليس له أن يطلبه ، فإن لم يجده رجع إلى الحصاص، وقال أشهب: له ذلك، يطلبه، فإن وجده كان أحق به، وإلا رجع فحاص، وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: ليس له أن يختار .

وقد اختلف فيمن أخذ سلعته عند الفلس ، فقيل: ذلك نقض للبيع الأول، فعلى هذا يصح أن يطلبه، ولا رجوع له إذا لم يجده، ومثل أخذه كبيع مبتدإ، فعلى هذا لا يجوز له أن يطلبه على أن لا شيء له سواه، ولا على أن له أن يرجع إن لم يجده، فاستخف ذلك أشهب للاختلاف هل هو كابتداء بيع أم لا؟

واختلف عن مالك فيمن باع ثمرة قد أزهت ثم فلس المشتري بعد أن يبست هل يكون البائع أحق بها ، وأن يكون ذلك له أحسن; لأنها عين ماله، وليس بينهما كثير تغير، ولأنها في ضمان البائع حتى تصير إلى اليبس، [ ص: 3173 ] وإنما يقع الشراء على أن تصير إلى تلك الحالة.

التالي السابق


الخدمات العلمية