صفحة جزء
باب في الشروط في الهبات وما يجوز منها وما لا تصح الهبة لأجله

اختلف في الواهب يشترط على الموهوب له ألا يبيع ولا يهب أو يقول : إن بعتها فهي لي بغير شيء ، أو الثمن الذي بيع به ، فقال مالك فيمن وهب هبة على ألا يبيعها ولا يهبها : فالهبة غير جائزة .

وقال ابن القاسم في العتبية : أكرهه ، فإن نزل مضى على شرطه ، وقال في كتاب محمد : يخير الواهب ، فإن قبلها وإلا نقضت ، وقال أشهب : ذلك جائز ، وهو كالحبس .

وأرى أن تجوز على ما شرط ، فإن مات الموهوب له ورثت عنه; لأنها معروف ، فيجوز أن يعطي الرقاب ينتفع بها من الآن ، أو يعطي المنافع خاصة حياته ثم يعود إليه ، أو يعطي المنافع حياته ثم يكون له المرجع بعد موته يقضي منه دينه ، أو يأخذه ورثته .

واختلف إذا قال : إن بعتها فهي رد علي . فقال مالك في العتبية : الهبة جائزة . قال : لأنه ليس ببيع .

وقال ابن القاسم : ليست هذه الهبة بشيء . وكذلك إن قال : إن بعتها ، فأنا [ ص: 3517 ] أحق بها بالثمن . فعلى قول مالك تجوز الهبة والشرط لازم ، وعلى قول ابن القاسم الهبة فاسدة .

وإن قال : إن مت أنت رجع العبد إلي ، وإن مت أنا قبل كان لك . فإنه يمضي على ما شرط ، وكانت العطية قد تضمنت عمرى ووصية ، فإن مات المعطى قبل ردت إلى المعطي; لأنها عمرى ، وإن مات المعطي قبل كانت في ثلثه . قال ابن القاسم في العتبية : وسواء حيزت العطية أو لم تحز; لأن الوصايا وما يرجع إلى الثلث لا يحتاج إلى حوز . وقال أصبغ : ليس له أن يحولها عن حالها .

يريد أنه أوجب الوصية كالمدبر ، ولو قال : أهبك على إن مت أنا قبل رجع العبد إلي ، وإن مت أنت قبل كان لورثتك . كان على ما شرط .

وقال المغيرة في كتاب المدنيين فيمن وهب أمة واشترط لنفسه كل ولد تلده فهو حلال جائز ، وقد يهب الرجل الحائط ويشترط ثمرته ، يريد اشتراط الثمرة السنة والسنتين ، ولا يجوز فيما كثر ، ويجوز في الولد وإن طالت السنون; لأن المقصود منها المنافع والخدمة ، وهي للموهوب له ، والولد تبع [ ص: 3518 ] وليس بمقصود ، وقد يكون أو لا يكون .

واختلف في من وهب أمة على أن يتخذها أم ولد ، قال ابن القاسم : لا يحل وطؤها على ذلك; فإن أدركها قبل أن يطأها الموهوب له كان الواهب بالخيار بين أن يمضيها بغير شرط أو يردها ، فإن وطئها مضت للموهوب له وإن لم تحمل; لأنه على الوطء وطلب الولد أعطيها ، وقد طلب الولد للوطء ، وكذلك إن حملت مضت له ولا قيمة عليه حملت أو لم تحمل ، وليس كالتحليل في القيمة; لأنه لم يعط الرقبة ، والموهوب له أعطي الرقبة .

وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب : إن علم بذلك بعد الوطء وقبل الحمل خير المعطي ، فإن أمضاها بغير شرط وإلا ردها ، ولو أفاتها المعطي بعتق أو تدبير أو بيع لزمته قيمتها; لأنها فاتت في غير ما أعطيت له .

وقال محمد بن عبد الحكم : الهبة جائزة ، ويؤمر الموهوب له أن يفي بالوعد ، وإن قال : لا أعطيها الولد . أمر بذلك ولم ينتزع منه . [ ص: 3519 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية