صفحة جزء
فصل [في دخول الوصايا فيما لم يعلم به الموصي]

اختلف في دخول الوصايا فيما لم يعلم به الموصي ، وأرى أن يكون ذلك على ثلاثة أقسام : فإن كانت الوصية بالثلث لم يكن لأهل الوصايا سوى ثلث ما علم به كان لواحد أو لجماعة ، معينين أو مجهولين; لأنه هو الذي أعطاهم الميت فلا يزادون فوق ما أعطاهم .

وإن كانت الوصية بغير الثلث لواجبات عليه من زكاة ، أو عتق عن ظهار ، أو قتل نفس ، أو كفارات ، أو هدي ، وضاق الثلث أتمت مما لم يعلم به; لأن الميت قد قصد أن ينفذ ذلك عنه ، وأنه كالدين عليه ورغب في إبراء ذمته ومراعاة لقول ابن شهاب إنه لا يتهم في ذلك ، وإنه يخرج من رأس المال . وإن كانت الوصية بتطوع ، وقال لفلان عشرة ، ولفلان عشرون وأعتقوا عبدي فلانا ، وللمساكين كذا ، فضاق الثلث ، فذلك أشكل فقد قيل : إن قصد الميت إنفاذ جميع ذلك وإتمامه من ثلثي الورثة ، ولهذا يقال لهم : أجيزوا وصية ميتكم ، فإن لم يجيزوا رجع إلى الثلث وإلى المحاصة أو إلى التبدية بما هو أوكد ، فعلى هذا تنفذ الوصية مما لا يعلم به; لأنه إذا رغب في إتمام ذلك من غير ماله ، وهم الورثة كان أحرى أن ينفذوه من مال نفسه . وقيل : محمل الوصية على ثلثه لا غير ذلك ، فعلى هذا لا يقال للورثة أجيزوا وصية ميتكم; لأن الميت لم يعلق الوصية بشيء من الثلثين ولا تدخل الوصايا فيما لم يعلم به ; لأنه إنما قصد [ ص: 3603 ] المحاصة في الثلث .

واختلف عن مالك في المدبر في الصحة والذي ثبت عليه أنه يدخل فيما علم وفيما لم يعلم . واختلف في المدبر في المرض ، والذي ثبت عليه ابن القاسم أنه لا يدخل إلا فيما علم .

والفرق بين المدبرين أن الصحيح قصد إلى عتقه من محصول ما يكون في ملكه يوم يموت ، وقد يكون بين تدبيره وموته العشرون سنة وأكثر . والمدبر في المرض يتوقع الموت من مرضه ذلك ، وهو عالم بماله وإنما يقصد أن تجري أفعاله فيما علمه ، وهذا إذا مات من مرضه ذلك ، فأما إن صح ثم مات من مرض آخر أو من غير مرض صار كالمدبر في الصحة .

ويختلف في المبتل في المرض ، هل يدخل فيما لم يعلم؟ وأن يعتق فيه أحسن; لأن الميت أعتق وهو يرجو أن يجيز له الورثة ذلك من ثلثهم ، فهو في إجازة ذلك من ماله لو علم به أرغب ، وكل مال مات عنه وهو لا يقدر على التصرف فيه لما تعلق به من حق الغير من خدمة ، أو إسكان أو حبس على معين فراجع ذلك مما علم به يدخل فيه الوصايا ، وكذلك ما ذهب منه ولم يقطع سقوط ملكه عنه ، وفي كتاب محمد : في الآبق إذا عاد غاب تدخل فيه الوصايا ، وإن كان يئس منه .

واختلف إذا قيل له : غرقت سفينتك فأيس منها ثم جاءت سالمة ، فقال مالك في كتاب محمد : لا يدخل فيها الوصايا ، وقال : يدخل فيها ولا [ ص: 3604 ] يشبه ما لم يعلم ، ولو قتل عمدا فقبل أولياؤه الدية ، كان مما لا يعلم به ، قال ابن القاسم : ولو قال : إن قبل أوليائي الدية فوصيتي فيها لم تدخل فيها الوصايا .

قال محمد : ولكن إن عفا هو قبل موته على مال أو أوصى أن يعفى عنه على الدية دخلت فيها الوصايا ، وإن قتل خطأ ولم يكن له حياة بعد الضرب ، كان كمال لم يعلم به يختلف فيه ، وإن كانت له حياة كان كمال قد علم به فتدخل فيه الوصايا .

قال : فإن أقر بدين لمن يتهم عليه أو لغير ذلك ليخرج من رأس المال ولم يجز الورثة لم تدخل فيه الوصايا ، وعلى القول الآخر تدخل فيه ، وهذا إذا كان الموصي ممن يجهل ويظن أن إقراره جائز ، وإن كان ممن يعلم أن لورثته ألا يجيزوا دخلت فيه الوصايا; لأنه كان شاكا في خروج ذلك للمقر له كالذي يشك في الخبر عن سفينته . [ ص: 3605 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية