صفحة جزء
باب فيمن أوصى لرجل بوصيتين

ومن أوصى لرجل بوصيتين فإنه لا يخلو أن يكونا معينتين أو إحداهما معينة أو غير معينتين بتسمية أو بأجزاء ، أو إحداهما بتسمية والأخرى بجزء ، فإن كانتا معينتين ، فقال لفلان : ناصح ، ثم قال في تلك الوصية أو غيرها له : مرزوق أو عين دارا ثم عبدا ثم ثوبا ، كان له الوصيتان إذا حملهما الثلث أو ما حمل منهما ، وكذلك إذا كان معينا وغير معين ، فقال له : عبدي فلان ، ثم قال : عبد من عبيدي ، فله الوصيتان جميعا .

قال أشهب في المجموعة : له العبدان . يريد المعين وعبد مما سواه ، وهذا صواب إذا كانتا بكتاب واحد أو نسقهما في كلام بغير كتاب . وإن لم يكن نسقا وصى له أمس ثم اليوم بغير كتاب ففيها نظر ، فإن هو قدم النكرة ثم عين كان أشكل هل أراد بالتعيين بيان ما أبهم أو وصية ثانية؟ وإن كانا من جنسين فقال : له عبدي فلان ، ثم قال في تلك الوصية أو في غيرها : له دار من [ ص: 3677 ] دوري ، كان له الوصيتان . وكذلك إن كانتا غير معينتين وهما من جنسين فقال : له عبد من عبيدي ، ودار من دياري ، أو ثوب من ثيابي ، أو عشرة دنانير ، أو عشرة أقفزة قمحا ، كان له الوصيتان ، وسواء كان ذلك كلاما بغير كتاب ، أو بكتاب واحد ، أو بكتابين .

واختلف إذا كانتا من جنس واحد ، فقال : له عشرون دينارا ، ثم قال : له عشرة ، أو قال عشرة ثم قال : له عشرون على ثلاثة أقوال : فقال مالك وابن القاسم في المدونة : ليس له سوى عشرين وهو أكثر الوصيتين ، وسواء تقدمت الوصية بها أو تأخرت .

وقال علي بن زياد عن مالك : إن أوصى بعشرة ثم بعشرين ، كان له عشرون ، وإن أوصى بعشرين ثم عشرة ، كان له ثلاثون .

وقال مطرف في كتاب ابن حبيب : وسواء كان ذلك في كتاب أو كتابين .

وقال ابن الماجشون : إن كانتا في كتابين ، كان له أكثر الوصيتين ، كانت [ ص: 3678 ] هي الأولى أو الآخرة مثل قول ابن القاسم ، وإن كانتا في كتاب فقدم الأكثر كانتا له ، وإن تأخر الأكثر كان له بانفراده مثل أن يكون بين الوصيتين وصايا . قال في أولها : لزيد كذا ، وقال في آخرها : لزيد كذا . وكان الذي بينهما ليس بوصايا ، وإنما قال في أولها : لزيد كذا ، ثم قال : انظروا فلانا ، فإنه فعل كذا ، ثم قال : ولزيد عشرون فله ثلاثون .

واختلف أيضا إذا استوى العددان قال : لزيد عشرة ، ثم وصى له بعشرة ، فقال محمد : ليس له إلا عشرة واحدة .

وقال مطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب : له الوصيتان ، كانتا بكتاب أو بكتابين ، وأرى إذا كان كلاما نسقا أو بكتاب أن يأخذهما ، وسواء كانت الآخرة الأقل أو الأكثر ، وإن لم تكونا نسقا أعطي الأخيرة منهما إذا كانت أكثرهما; لأن الشأن أن الإنسان يوصي بالشيء ثم يستقله فينقله إلى أكثر ، وإن كانت الأولى أكثر أخذها وحملت الثانية على أنها زيادة إلى الأولى ، وإن استوى العددان وصى له بعشرة ثم بعشرة بكتاب واحد [ ص: 3679 ] كان له عشرون ولا يحمل على أنه أراد نسخ أول الوصية بآخرها وهي مثلها إذ لا فائدة لذلك إلا الزيادة .

وإن كانتا في كتابين نظر إلى الثانية ، فإن كان فيها زيادات لأقوام حمل عليه في هذه مثل تلك ، وإن كان فيها نسخ لبعض من في الأول حمل عليه في الثانية أنه أراد أن يبين من أثبت ولم ينسخ ، وكذلك إذا كانتا بجنس واحد من غير العين بعبيد أو ديار أو ثياب ، فأوصى بعبد ولم يعينه ثم بعشرة أعبد ، أو بعشرة أعبد ثم بعبد ، أو بثوب ثم بعشرة أثواب ، أو بعشرة أثواب ثم بثوب ، فعلى قول ابن القاسم يأخذ أكثر الوصيتين ، تقدمت أو تأخرت ، ويجري فيها الخلاف المتقدم في الدنانير عن مالك ، ومطرف ، وابن الماجشون .

وكذلك إذا كانت الوصيتان بجزئين ، فعلى ما تقدم في الدنانير فإن استوى الجزءان كان له على قول محمد أحدهما ، وعلى ما عند ابن حبيب جميعهما ، وإن اختلف الجزءان وصى له بثلث ماله ثم بسدسه ، أو بسدسه ثم بثلثه ، كان له على أحد قولي مالك الثلث وحده ، تقدم أو تأخر ، وعلى القول الآخر يكون له الثلث ، إن تأخر والنصف إن تقدم الوصية بالثلث وأجازت الورثة ، ويدخل في ذلك قول مطرف وابن الماجشون ، وهل كانتا بكتاب أو بكتابين؟ وكذلك إذا كانتا بجزء وتسمية ، والتركة من جنس واحدة دنانير ، أو ثياب ، أو عبيد ، أو ديار . [ ص: 3680 ]

واختلف إذا كانت التركة عينا أو ثيابا أو عبيدا أو ديارا ، فقال لفلان : عشرة دنانير ، ثم قال : له ثلث مالي . فقيل : له ثلث ماله سوى العين . ويكون له من العين الأكثر حسبما تقدم إذا أوصى بعشرة وعشرين ، فإن كان ثلث العين الأكثر أخذه ، وإن كانت العشرة أكثر أخذها إن أجازت الورثة ، وقيل : له العشرة وثلث التركة قبل إخراج العشرة إن أجاز الورثة ، بمنزلة لو كانت الوصيتان لرجلين ، وكذلك إذا قال : له دار من دوري أو عبد من عبيدي ، ثم قال : له ثلث مالي كان على الخلاف المتقدم إذا وصى بدنانير ثم بجزء .

واختلف إذا أوصى بدنانير ثم بدراهم ، فقال محمد : يأخذهما .

وقال ابن حبيب : هما كالشيء الواحد بمنزلة لو كانتا كلاهما بدنانير أو بدراهم .

قال محمد : فإن كانت دراهم وسبائك فضة أو قمحا أو شعيرا ، أعطي جميعها . [ ص: 3681 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية