صفحة جزء
فصل [فيمن حلف بعتق عبد هل له أن يستخدمه ويؤاجره في الخدمة؟]

ومن حلف بعتق عبده كان له أن يستخدمه ويؤاجره في الخدمة ، وسواء كان في يمينه على بر فقال : إن فعلت ، أو على حنث فقال : لأفعلن .

ويفترق الجواب في البيع والوطء إن كانت أمة ، وفي عتقها إن مات قبل الفعل ، فإن كان على بر فقال : إن فعلت كان له أن يبيع ويطأ ، وإن كان على حنث فقال : لأفعلن ، منع من البيع .

واختلف في الوطء فقيل : لا يطأ على حال; لأنه لا يدري هل يبر أم لا؟ وسواء ضرب لبره أجلا أم لا؟ وقيل : إن ضرب أجلا كان له أن يصيبها وإن لم يضرب أجلا لم يصب . وفي كتاب محمد : إذا كانت يمينه ليكلمن فلانا أو ليركبن هذه الدابة كان له أن يصيب; لأن حياة المحلوف عليه كالأجل . يريد : ويمنع إذا كانت يمينه : ليدخلن هذه الدار أو ليتزوجن .

ولابن كنانة في كتاب ابن حبيب عكس هذا فقال : إن كانت يمينه مما يقع عليه الحنث في حياته يوما ما ، مثل أن يحلف ليضربن عبده أو ينحر هذا البعير ، لم أحب له أن يصيب; لأن العبد والبعير قد يموتا في حياة الحالف [ ص: 3737 ] فيقع عليه الحنث في حياته ، وكل ما لا يقع عليه الحنث إلا بموت نفسه مثل أن يحلف ليسافرن أو ليتزوجن فله أن يصيب; لأن الحنث والعتق إنما يقع بموته وليس في حياته .

وقال مالك : ترك الوطء محدث وليس من الأمر القديم . يريد : أنه لم يكن يمنع من الوطء في حال من الأحوال كان على بر أو على حنث ، وهو أحسن ، والمنع في جميع ذلك استحسان ، والمنع فيمن ضرب أجلا وكان يحنث في حياة نفسه أو لا ، كما قال ابن كنانة; لأن المنع خيفة ألا يبر فيقع عليه الحنث فيكون فيه ضرب من نكاح المتعة فمن ضيق على نفسه ذلك الفعل بأن يفعله في أجل لا يجاوزه أولى بالمنع; لأنه إذا انقضى الأجل ولم يفعل كانت عتيقة وتبين أنه كان يصيب من تحرم عليه بمضي الأجل ، والآخر لا يحنث إلا بموت نفسه ، وإن كانت يمينه على فعل غيره فحلف على رجل ليدخلن هذه الدار أو ليكلمن فلانا أو ليلبسن هذا الثوب وضرب أجلا ، كان بمنزلته لو كانت اليمين على فعل نفسه فيحلف في إصابته ، وهذا قول مالك في المدونة ، وإن لم يضرب أجلا فضرب أجل للمحلوف عليه ليفعلن ، لم يكن للحالف أن يصيب عند ابن القاسم . [ ص: 3738 ]

وقال أشهب في كتاب محمد : ذلك له; لأن له وقتا أراده فلا يحنث حتى يبلغه ، وأما العتق إذا لم يفعل ما حلف عليه فهو ينقسم على الوجوه الثلاثة المتقدم ذكرها أنه ينظر هل ضرب للفعل أجلا أم لا؟ وهل فات البر في أيام التلوم ، وإن كانت اليمين على فعل غيره ، فإن كان ضرب أجلا وانقضى ذلك الأجل ولم يفعل كان العبد عتيقا من رأس المال ، وإن مات السيد قبل انقضاء الأجل ، لم يعتق العبد ، وهذا قول مالك وابن القاسم .

قال محمد : لأنه أخر حنثه أو بره لوقت فلم يبلغه حتى صار في ملك ورثته قبل وقت حنثه . وقال ابن كنانة في كتاب المدنيين : هو حانث وإن مضى الأجل ولم يدر هل فعل أم لا؟ كان العبد حرا من الثلث ، وهو قول ابن القاسم وقد تقدم ذكر ذلك ، وإن كانت اليمين على فعل غيره وضرب أجل التلوم فمات السيد في أيام التلوم كان العبد حرا عند ابن القاسم من الثلث ، وقول أشهب : لا شيء عليه وأصوب من ذلك أن يقال للمحلوف عليه : افعل ما حلف عليك أن تفعله; لأن المحلوف عليه قائم العين والفعل منه متأت موجود لم يفت بعد ، فإن فعل لم يعتق العبد بحال وإن لم يفعل عتق من رأس [ ص: 3739 ] المال; لأن الفعل لم يكن بيد الحالف فيقال : إنه قصد إلى العتق لما كان قادرا على أن يفعل ذلك وإذا كان ذلك بيد غيره وليس إليه حل ذلك أعتق بالعقد الذي كان في الصحة ، وإن مات المحلوف عليه قبل أن يفعل في أيام التلوم صح أن يعتق على قول ابن القاسم ، وترتفع المعارضة لأن الفعل قد فات ، فإن كان السيد صحيحا أعتق من رأس المال ، وإن كان مريضا أو قد مات أعتق على قوله من الثلث . [ ص: 3740 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية