صفحة جزء
باب في الكتابة على الغرر وعلى ما في ملك فلان

والكتابة على الغرر جائزة ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم واحد" ، فأجاز أن يسعى ويتكلف المدة الطويلة ، فإن عجز عن آخر نجم كان عبدا ، وقد تقدم أن مثل ذلك لا يجوز في البيوع أن يبيع سلعة مناجمة ، فإن لم يوف كان المنتقد من الثمن والسلعة للبائع ، ثم لا يخلو الغرر من ثلاثة أوجه :

إما أن يكون في ملك العبد ، أو في ملك السيد ، أو في ملك غيرهما .

فإن كان في ملك العبد فكاتبه على عبد له آبق أو بعير شارد أو جنين في بطن أمه أو ثمر لم يبد صلاحه- جاز ذلك ، وكره ذلك أشهب في كتاب محمد ابتداء ، فإن نزل مضى ، والأول أحسن ; لأنه قد كان للسيد انتزاع ذلك من عبده ، وأن يجبره على طلبه من غير كتابة ، فإذا جعل له بذلك العتق فقد تفضل عليه . [ ص: 3964 ]

وأجاز ابن القاسم في العتبية أن يكاتبه على أن يأتيه بعبده الآبق أو بعيره الشارد ، وهذا أحسن ، والوجه فيه ما تقدم; لأنه وإن كان ذلك ملكا للسيد ، فقد كان له أن يجبره على طلبه من غير كتابة ، ويجوز أن يقول : أكاتبك على أن تغرس لي هذه الأرض بهذا الودي -بودي للسيد - فإذا بلغت فأنت حر .

واختلف في هذا الأصل هل هي كتابة فثبتت عند الفلس والموت ، أو عدة فيسقطها الفلس والموت؟

فقال ابن القاسم في كتاب محمد فيمن كاتب عبده على إن أعطاه عشر بقرات على أنها إن بلغت خمسين كان حرا ، هذه كتابة ، قال : ذلك جائز ، ولا يفسخ ما جعل له إن رهقه دين ، وعلى هذا لا تسقط الكتابة بالموت .

وأجاز في العتبية فسخ ذلك إذا رهقه دين ، وقال : إن مات السيد فلا حرية له .

وقال ابن ميسر : ليست بكتابة ، وأمضى ابن القاسم ذلك له في القول الأول على أحكام الكتابة لقصد السيد ، وأنه الوجه الذي أراد ، ورده في القول الآخر; لأن الكتابة في الحقيقة على ما يتكلف العبد من السعي . وهذه أشياء للسيد جبره على رعيها والقيام بها من غير كتابة .

واختلف إذا كاتبه على معين في ملك غيره ، فقال : أكاتبك على عبد فلان [ ص: 3965 ] أو على داره ، فأجازه ابن القاسم . وقال أشهب : يفسخ إلا أن يشتريه قبل الفسخ .

وقال محمد : إن لم يشتره أدى قيمته .

وقال ابن ميسر : لا يعتق إلا بعبد فلان ، وقول ابن القاسم : إن ذلك جائز أحسن .

والأمر في الكتابة أوسع من هذا إذا كان العبد يسعى فيما يشتري به ذلك العبد ، وإن كان العبد يملك ما يشتريه به ، كان ذلك أبين; لأنها كالوكالة من السيد ، وقد كان له أن يجبره على أن يشتريه له بذلك المال من غير كتابة .

وقول ابن ميسر ألا يعتق إلا بإحضار ذلك العبد أبين; لأن السيد لا يشترط ذلك إلا لغرض له فيه إلا أن يعلم أن ذلك كان لمبلغ ثمنه وغلائه ، وإن كاتب السيد عبده على قيمته ، جاز ، ويكون له الوسط مما يباع به نقدا ، ثم تنجم تلك القيمة على قدر ما يرى أنه يقوى عليه من النجوم ، ولا يقوم على التأجيل; لأن الأصل في القيم النقد ، ولأن النكرة إذا أضيفت إلى معرفة تعرفت بها ، فقوله : قيمته ، إشارة إلى قيمة معروفة .

وإن كاتبه على مائة دينار ولم يسم النجوم ، جاز ، ووضعت على ما يرى أنه يحضرها فيه ، وإن سمى النجوم ولم يسم ما يؤدي في كل نجم ، جاز ، وجعل عليه ما يرى أنه يستطيعه في تلك النجوم . [ ص: 3966 ]

ومنع ابن القاسم الكتابة على اللؤلؤ إذا لم يوصف .

وقال محمد : لا يفسخ ، ويكون من أوسط ما يكون بينهما ، وإن كاتبه على وصيف أو عبد ولم يصفه جاز ، وإن كان للسيد المعتاد من كسب الموضع من الحمران والسودان والوسط في الجودة من ذلك الصنف والوسط في السن إن قال وصيف ، فإن قال عبد كان الوسط ، لا شيخ ولا وصيف ، ويجعل له نجما واحدا . [ ص: 3967 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية