فصل [فيما
إذا باع أحد الشريكين نصيبه من الدين ودخل عليه من لم يبع]
فإذا باع منه نصيبه من الدين ودخل عليه من لم يبع على قوله في المدونة، فلا خلاف أنه يقاسمه نصفين. واختلف في الرجوع، فقال مرة: إنهما يرجعان جميعا، وهو قوله ها هنا وقاله في "كتاب المديان". وقال أيضا: إنه يرجع من لم يقبض على الغريم، فإذا اقتضى نصيبه، رد على من اقتضى قيمة العرض الذي أخذه منه يوم أخذه من الغريم.
وكذلك لو كان دينا مائة دينار فاقتضى أحدهما نصيبه وهو خمسون فرجع عليه بخمسة وعشرين على أنه من أوجب الرجوع، فاختلف فيه أيضا كيف يكون رجوعهما؟ فقال مرة: يرجعان جميعا على الغريم كل واحد منهما بخمسة وعشرين دينارا. وعلى القول الآخر: يرجع الذي لم يقتض على الغريم، فإذا استوفى ذلك من ذمته; أخذ منها شريكه نصيبه وهو خمسة وعشرون، وإذا أخذ خمسة وعشرين دينارا أخذ منها شريكه نصفها، وهو اثنا عشر ونصف دينار. وهكذا ما أخذ من قليل أو كثير.
فوجه قوله: إنهما يرجعان جميعا; لأن ما اقتضاه أحدهما نصفه له ونصفه
[ ص: 4687 ] لشريكه الذي لم يقتض والباقي في الذمة بينهما، وإذا كان ذلك وجب أن يرجعا جميعا في الذمة على أصل الشركة.
وأما قوله: إنه يرجع الذي لم يقتض فيكون هو المقتضي وحده، فلأن المقتضي الأول يقول: أنا قد تكلفت الاقتضاء في النصف، وأنت قد أخذت نصف ما في يدي ولم تكن تصل إلى ذلك إلا بكلفة ومشقة، وإذا كان ذلك وجب أن ترجع أنت وتقتضي ذلك.
وقد اختلف في هذا الأصل فيمن تعدى على مال إنسان فعمل فيه عملا ليس له عين قائمة، مثل: أن يخيط له ثوبا، أو يسقي له حائطا، أو ما أشبه ذلك مما لم يكن يستغني عن فعله، هل يكون له عنه عوض أم لا؟ فإذا قلت: لا عوض في ذلك، رجعا جميعا. وعلى القول الآخر: يقتضي الشريك الآخر ما بقي له في الذمة، فيكون قد عوضه على اقتضائه ولم يجعل على الثاني أجرة; لأنه لم يكن مما يدفع فيه أجرة.