صفحة جزء
فصل [في الشريكين يخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم]

اختلف عن مالك في الشريكين يخرج أحدهما دنانير والآخر دراهم، فمنعه في "المدونة" وأجازه في "كتاب محمد". يريد: إذا تناجزا بالحضرة وأخذ مخرج الدنانير الدراهم وأخذ الآخر الدنانير; لأن هذه مصارفة وليس بمنزلتهما إذا أخرجا صنفا واحدا، وإنما منع ذلك في القول الأول; لأن لكل واحد منهما بعد تسليمه أن يشتري بما سلمه ويتصرف فيه وإن كان عند الآخر، وذلك وصم في المناجزة.

فإن اشترى على هذا القول بالمالين تجارة صفقة واحدة، كان ذلك المشترى بينهما على قدر ما أخرجاه يوم الشراء، ليس يوم المفاضلة.

فإن أخرج أحدهما ألف درهم والآخر مائة دينار والصرف وقت الشراء عشرون درهما بدينار، كان المشترى بينهما أثلاثا، وسواء تغير الصرف بعد ذلك أم لا; فإنهما يقتسمان ما يكون في أيديهما من ربح أو خسارة أثلاثا.

وإن اشتريا بكل مال على حدة، ثم اختلط عليهما ولم يعلما ما اشتري بكل مال، كان ذلك المشترى بينهما على قدر الصرف يوم اشتريا كالأول، فإن [ ص: 4790 ] علم ما اشتري بكل مال، لم تكن بينهما شركة وكان لكل واحد ما اشترى بماله، له ربحه وعليه خسارته. ومحمل قول ابن القاسم في المدونة على أنهما اشتريا بالمالين جملة أو اختلط عليهما.

وقد كان بعض أهل العلم يحمل قوله: "إذا كان قائما بعينه" أن ذلك ليس له وإن عرف ما اشتري بكل مال. وهذا غير صحيح، ولو كان ذلك لوجب أن يكون المشترى بينهما نصفين; لأن كل واحد منهما اشترى نصف ملك صاحبه من دنانير أو دراهم، وأن يكون اشتراؤه به فوتا كالبيع الفاسد يفوت ويكون قد انشغلت ذمة كل واحد منهما بنصف ما أخرجه الآخر. [ ص: 4791 ]

وقول ابن القاسم: إن هذا يأخذ بقدر مائته وهذا بقدر ألفه، ثم الربح بينهما على ذلك - دليل على أنه رأى أن مال كل واحد على ملكه لم تعمر ذمة الآخر منه بشيء، ولا مطالبة لأحدهما على الآخر.

وأيضا فلو كان عنده أن التمكين في هذه الشركة يصح، لأجازها إذا تقابضا.

ومحمل قوله: يعطى هذا بقدر دنانيره والآخر بقدر دراهمه، أن ذلك إذا لم يتغير الصرف برخص ولا بغلاء، ولو تغير لاقتسما أثلاثا حسب ما كان وقت الشراء; لأن التجارة والسلع التي اشتريا كانت بينهما كذلك، فلو غلت الدراهم حتى صارت الألف تعدل المائة، لم يكن الثمن الذي يبيعاها به أنصافا; لأن السلع كانت أثلاثا، ولو فعل ذلك لكان صاحب الدراهم قد أخذ بعض مال صاحبه. [ ص: 4792 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية