فصل [في خيار المستأجر إذا خالف الصانع صفة في المصنوع]
ولو
استأجر رجل صائغا ليصوغ له ذهبا أو فضة على صفة فصاغه على خلافها- كان الصانع بالخيار بين: أن يعيد صنعته على ما استؤجر عليه بعد أن يصفيه من اللحام الذي خالطه، أو يغرم مثل الذهب أو الفضة، ثم يصوغه ثانية، إلا أن يكون الصانع فاسد الذمة، فيكون لصاحب الذهب أن يجبره على كسره وإعادته، ولا يلزمه أن يأخذ المثل من ذمته ولا تنفسخ الإجارة.
ولو
كان ثوبا فصبغه على غير الصفة، فإن قال له: أكحل، فصبغه أزرق، أعاده للصبغ حتى يعمله على ما وصف، وكذلك أخضر شديد الخضرة فصبغه خفيف الخضرة، فإن قال له: أزرق، فصبغه أكحل، أو قال: خفيف الخضرة، فصبغه فوق ذلك، فإن كان ذلك الصبغ ينقصه عن قيمته أبيض كان له قيمة ذلك النقص ولا يكون له أن يضمنه قيمة ذلك الثوب إذا كان النقص يسيرا، وإن كان لا يزيد في قيمته ولا ينقصه أخذه ولا شيء عليه، وإن كان يزيد في قيمته كان عليه الأقل مما زادت قيمته أو المسمى من الإجارة.
وإن استأجره على أن يصبغه أحمر، فصبغه أخضر أو أزرق، كان له أن يضمنه
[ ص: 4870 ] قيمة الثوب أو يأخذه ويدفع قيمة الصبغ; لأنه قد ملك التضمين، ويصح أن يجري الجواب فيه على ما تقدم: أنه يعتبر في ذلك الصبغ: هل نقصه أو زاده أو لم يزد ولم ينقص؟ لأن صاحب الثوب يقول: أنا لا أحب أن أضمن ولا أزيل ملكي عن ثوبي وأنت قد أفسدته، فيجري على حكم من أفسد ملك الغير، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13055عبد الملك بن حبيب: إلا أن يقول المالك: أنا أضمن ويأبى الصانع، فلا يكون له من زيادة الصنعة شيء; لأنه قد أمكن من أخذ صنعته.
وإن كانت الإجارة على قصارة فأخرجه أسود، فإن كان يقدر على إعادته- من غير فساد أعاده، والقول قول من دعا إلى ذلك منهما، فإن دعا صاحب الثوب إلى أنه يغرمه قيمته، أو قيمة ما نقص، كان للصانع أن يأبى من ذلك، وكذلك إذا دعا إلى ذلك الصانع كان للآخر أن يجبره على العمل، وإن كان لا يقدر على إعادته غرم قيمته أسمر، قال سحنون في كتاب ابنه: إلا أن يكون الفساد يسيرا فيغرم قيمة ذلك العمل على حاله.
قال الشيخ -رحمه الله-: إنما تقوم الصفة التي شورط عليها والصفة التي عمل، فيحط من المسمى بقدر ذلك، إلا أن تكون زيادة الصنعة على قيمته أسمر أقل، فلا يكون عليه سوى ما زادت القيمة، أو تكون قيمته مصبوغا أقل من قيمته أسمر، فيكون له أن يرجع على الصانع بما نقصت قيمته ولا يغرم له شيئا; لأنه أفسده.
[ ص: 4871 ]
وإن
كانت الإجارة على خياطة الثوب، فخاطه مقلوبا وذلك مما يحط من ثمنه، ومتى فتق وأعيد زال ذلك النقص، أو كان ذلك أقل لعيبه، كان القول قول من دعا إلى فتقه وإعادته، وإن تساوى النقص فكأن النقص الآن لأجل كونه مقلوبا، وإذا أعيد وفتق نقص لما يلحقه من التمريث سواء، كان القول قول صاحبه، فإن شاء أقره، وإن شاء أمره بفتقه وخياطته، وإن كان فتقه أشد لعيبه كان القول قول الصانع، إلا أن يفتق، ويغرم ما حط من ثمنه الآن، وليس عليه أن يدخل نفسه في أكثر من عيبه هذا، إلا أن يحب صاحبه ألا يغرمه أكثر من عيبه قبل فتقه، فيجبر الأجير على إعادته.
وإن كان الفساد لرداءة الخياطة، كان له أن يأمره بفتقه وإعادته على ما يخاط مثله، ويكون على الصانع الأقل من نقصه الآن، أو مما ينقص بعد فتقه ولا أجرة له في الخياطة إذا دخلت الخياطة في القيمة وجبر بها النقص، وإن قال الصانع: إذا أنا قلبته أنا أغرم ما ينقصه الفتق قبل إعادة خياطته ويكون لي المسمى في الخياطة، كان ذلك له، وإن حدث به عيب من غير الخياطة، حرق نار، أو وقع عليه ما شانه، أو قطع منه شيء من غير موضعه- كان عليه قيمة عيبه ذلك قبل أن يخاط وله المسمى من الأجرة; لأن العيب ليس في الخياطة.
وإن
كانت الإجارة على بناء دار فأخطأ في البناء كان عليه أن يهدمه
[ ص: 4872 ] ويعيد البناء على صفة ما شورط عليه، ويغرم قيمة ما أتلف من جير أو غيره، ويغرم ما نقصت القيمة من الآجر والحجارة الآن عن قيمته قبل بنائه، وإن أحب صاحب الأرض أن يقر ذلك البناء ولا أجرة للعامل فيه; لأنه قد ملك نقضه ولا قيمة له فيما إذا نقض- لم يكن له ثمن ولا قيمة عليه فيما ينقض من قيمة الأحجار والآجر لو نقض; لأنه لم ينقض بعد.