صفحة جزء
فصل [فيما يقصر من الصلوات وحكم القصر]

تقصر من الصلوات ثلاث: الظهر، والعصر، والعشاء.

واختلف في حكم القصر، فقال مالك في المبسوط: القصر سنة.

وذكر أبو جعفر الأبهري عن الشيخ أبي بكر الأبهري أنه مخير بين القصر والإتمام.

وقال إسماعيل القاضي وابن سحنون: إنه فرض; لحديث عائشة -رضي الله عنها-: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى". [ ص: 456 ]

والتخيير أبين؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته". وهذا يقتضي كونه توسعة ورخصة وتخفيفا.

قال الشيخ -رحمه الله-: وليس هذا لفظ الإيجاب، وهو كقوله: فعدة من أيام أخر أن التأخير ليس بواجب، وله أن يقدمه. وإذا ثبت التخيير - صح أن يقال: إن القصر سنة، بمعنى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعل من الأمرين القصر. ويحمل حديث عائشة -رضي الله عنها-: "أقرت صلاة السفر" أي: جعل له أن يأتي بها ركعتين، ولم يوجب أكثر، وبين ذلك أنها كانت أتمت في السفر.

ولا يعترض هذا بأنها أم المؤمنين; لأنه لا يختلف أن المرأة لو سافرت إلى أولادها وهم خمسة وبينها وبين كل واحد منهم عشرة أميال، وهي تريد أقصاهم - ما وجب عليها الإتمام، وإن وطن أولادها ليس بوطن لها، وأن الأم وغيرها في ذلك سواء.

فعلى القول: إنه مخير إن أتم لم يعد، وعلى القول: إنه سنة - يعيد ما دام في الوقت. وعلى هذا قول مالك وأصحابه لا إعادة إذا ذهب الوقت.

واختلف في صلاة المسافر خلف المقيم بعد القول: إنه سنة، أي ذلك أفضل: القصر أو الجماعة إتماما؟ لأن الجماعة أيضا سنة، ويضاعف فيها الأجر بسبعة وعشرين جزءا، وكان ابن عمر يقدم فضل الجماعة، وإذا قدم مكة [ ص: 457 ] صلى مأموما. وهو الظاهر من قول مالك.

وقال في مختصر ما ليس في المختصر: لا بأس بصلاة السفري خلف المقيم لفضله وسنه وفهمه. وقال في ثمانية أبي زيد: لا يصلي خلف المقيم وإن كان في مسجد، فإن فعل أعاد في الوقت، إلا أن يكون بمسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- ومكة والبصرة والكوفة والأمصار الكبار.

وقال مطرف: إنما كان مالك يكره للمسافر أن يدخل في صلاة المقيم، فإن فعل فلا إعادة عليه، فقدم مرة فضل الجماعة، ومنع ذلك في القول الآخر إلا أن تعظم الجماعة، وهذا مثل ما ذكر ابن حبيب أن فضل الجماعة يختلف، وأنه كلما كثرت الجماعة كان أعظم أجرا.

ويلزم على قوله: إن الفرض ركعتان - أن يقول: يعيد وإن ذهب الوقت. وإن صلى خلف حضري نوى ركعتين، فإذا صلى الإمام ركعتين سلم هو أو يجلس ولا يتبعه حتى يسلم بسلامه.

وقال أشهب في كتاب ابن سحنون في رجلين ذكرا صلاة واحدة من يوم واحد، إلا أن إحداهما سفرية والأخرى حضرية فأم الحضري، قال: إذا صلى ركعتين ثبت السفري حتى يتم الحضري فيسلم بسلامه. وقال أيضا: يتم معه أربعا، وقال سحنون بالقولين جميعا.

وفي التفريع في مسافر يأتم بحضري أنه يتم معه أربعا، ثم يعيد في الوقت وبعده. وهذا جواب من ترجح عنده الخلاف، فأمره أن يتم مراعاة للقول: إنه ليس بفرض، ويعيد وإن ذهب الوقت على القول الآخر. [ ص: 458 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية