باب في كتاب القاضي ومكشفه ووكلائه ورسله وجلسائه
ولا يستكتب القاضي إلا حرا مسلما عدلا، قال
محمد: ويكتب بين يديه وينظر فيما يكتب. ولا يكون ذميا; لأن الله -عز وجل- قد أغنى بالمسلمين عنهم، ولا عبدا ولا غير عدل; لأنه قد يحتاج إلى شهادته، ولأنه يؤمن إذا كان عدلا، أن لا يدخل على المسلمين في محضرهم وأحكامهم، وإن اضطر إلى غير عدل كتب بين يديه وينظر فيما يكتب، ولم يجز أن يكل ذلك إليه.
ولا يبعد أن يحمل قول
محمد أن القاضي ينظر فيما كتب على الوجوب، وإن كان الكاتب عدلا، فيكون قد حمل الخصمين على المكتوب من باب القطع، وإذا لم ينظر فيما كتب كان قد حمل الخصم على أمانة الكاتب، وحكم بغلبة الظن من غير ضرورة إلى ذلك، وليس كالمكشف لأنه مضطر إلى ائتمانهم، في مضيه إلى محلات الشهود وللكشف عنهم سرا.
وقال
محمد: إذا وجد القاضي في قمطره من كتب فيه شهادة لرجل، أو أقضية ولا يذكر ذلك، قال: أما إن عرف أن خطه بيده، أو خط كاتبه وعرف
[ ص: 5348 ] خاتمه، وعرف الرجل نفسه وصفته حتى لا يشك، وكانت من قبله ليس من قاض غيره، فينبغي أن يجيزها، هذا قول
محمد. ولا بأس أن يكون للقاضي مكشفا عن البينات، ويقبل القاضي قوله وحده فيما يأتيه به; لأنه وكيل له، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
nindex.php?page=hadith&LINKID=656326 "واغد يا أنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها". فاعترفت فرجمها.
وينبغي أن يكون المكشف فهما فطنا غير مغفل، وينبغي أن لا يعرف مكشف القاضي; لأن في ذلك فسادا على الخصمين، ويكشف عنهم سرا، وإن كشف علانية قبل الجرح.
واختلف في قبول التعديل علانية، وأن لا يقبل أحسن; لأن الإنسان يذكر في العلانية غير ما يعلمه، وإذا سئل سرا أخبر بغير ذلك، ولا يكون وكلاؤه وحجابه إلا عدولا، ذوو رفق وأناة، والعدالة فيهم أحوج منها في غيرهم، لتؤمن ناحيتهم، وأن لا يتجاعلوا في الخصومات، وفيما يكون من خصومة النساء; لأنهم أمناء على محادثتهن،
[ ص: 5349 ] وقد يطلعون على أسرار القاضي فيما يريد من حكومة، فيؤمن أن لا ينقلوا لأحد الخصمين، وكذلك جلساؤه ينبغي أن يكونوا أهل دين وأمانة ونصيحة، ويجتنب مجالسة من كان على غير ذلك.
[ ص: 5350 ]