صفحة جزء
فصل [إذا لقي الغاصب المغصوب بغير البلد الذي كان به الغصب]

وإن لقي الغاصب المغصوب بغير البلد الذي كان به الغصب فإن أراد أن يغرمه المثل أو قيمته بالبلد الذي غصبه به لم يكن ذلك له عند ابن القاسم، وعليه أن يصبر حتى يقدم البلد الأول فيأخذ المثل، وذلك له عند أشهب في الوجهين جميعا فيغرمه المثلين إذا كان سعر البلدين سواء، أو كان بالبلد الذي لقيه أرخص وله أن يغرمه الآن قيمته بالبلد الذي غصبه فيه، إذا بعد ما بين البلدين قياسا على قوله إذا كان معه في البلد الذي غصبه به وتعذر وجود المثل، ويرجى وجوده بعد، وأن يكون ذلك في المسألتين جميعا أحسن؛ لأن الذي دعا إليه المغصوب منه لا ضرر على الغاصب فيه، وله مقال في استعجال حقه.

واختلف إذا لقيه ومعه طعام المغصوب، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: ليس له أن يأخذه ولا قيمته وإنما له المثل في البلد الذي كان به الغصب. [ ص: 5784 ]

وقال أشهب: له أن يأخذه أو يؤخره ليأخذه بالمثل في البلد الذي كان به المغصب . وقال أصبغ: له أن يأخذه إذا قرب ما بين البلدين، وإن بعد ما بينهما لم يأخذه، وله أن يتوثق من حقه ويخلى بينه وبين الطعام .

وأرى أن لصاحبه أن يأخذه في ثلاثة مواضع، إذا كان الغاصب مستغرق الذمة؛ لأنه يقول: لا أدع حلالا وآخذ حراما.

والثاني: إذا كان سعره بالبلدين سواء، أو كان بالموضع الذي لقيه به أرخص؛ لأن له أن يأخذه بالمثل إذا لم يكن عين طعامه إن تساوى السعر أو كان هذا أرخص.

والثالث: إذا قال: أنا أدفع الكراء أو ما زاد سوقه الأقل منهما.

واختلف إذا كان المغصوب عرضا أو حيوانا ووجدها معه، فقال ابن القاسم في كتاب محمد: يأخذ القيمة إلا أن يزيد، ولا يريد أن يأخذ عين المغصوب، وقال أشهب: هو بالخيار بين أن يأخذ متاعه بلا غرم عليه فيما أنفق ولا فيما حمل أو يغرمه قيمته الآن قيمته بالموضع الذي غصبه به، وبه قال محمد: قال : وتفرقة البلدان إذا كانت بعيدة كتغير البلدان. يريد: أن له أن يضمن القيمة وإن كان له أن يأخذ العين. وقال سحنون في المجموعة: أما البر والدقيق ليس له أن يأخذ عينه إذا لم يتغير في يده. وقال مالك في المجموعة: أما العبيد والدواب فله أخذهم بأعيانهم ليس له إلا ذلك، وأما [ ص: 5785 ] العروض فهو بالخيار بين أن يأخذ العين أو القيمة .

قال الشيخ: أما العبد والدابة وما الشأن أن يصل بنفسه ولا يتكلف له حمولة لخفته كالثوب وما أشبهه فإن للمغصوب منه أن يأخذه، وإن كره ذلك الغاصب أن يجبره على قبوله، وإن كره المغصوب إذا كان الطريق الذي نقل منه مأمونا؛ لأنه قادر على رده من غير مضرة، فإن كان مخوفا أو غير موجود لم يجبر على قبوله وكان له أن يضمنه القيمة، وإن كان لك مما له حمل، ويغرم لنقله كراء، وأحب الغاصب أن يسلمه كان للمغصوب منه ألا يقبله؛ لأنه يقول: لي غرض في مالي أن يكون ببلده. إلا أن يقول الغاصب: أنا أتكلف رده، والطريق مأمون. وإن أحب ربه أن يأخذه وامتنع من ذلك الغاصب لأجل ما كان تكلف من الأجرة على حمله كان ذلك له على قول ابن القاسم، وإن دفع المغصوب منه الأجرة سقط مقاله، وليس عليه -على قول أشهب- للحمل شيء، وإن كان قد زاد في الثمن كالسقي والعلاج على أحد القولين أنه لا يغرم له شيئا، وإن كان قد زاد في الثمن كالجص والتزويق، فاختلف هل على الغاصب أن يرده إلى حيث غصبه منه إذا أحب ذلك المغصوب منه فالمعروف من المذهب أن ليس ذلك عليه.

وقال المغيرة فيمن عدا على خشبة من عدن إلى جدة وأنفق في حملها مائة دينار: ربها مخير إن شاء أخذها وإن شاء كلف ردها إلى البلد الذي أخذها [ ص: 5786 ] منه .

وقال ابن القاسم وأشهب في المجموعة في رجل اكترى من جمال على أن يحمل له حملا بعينه إلى بلد فأخطأ الجمال فحمل غيره فبلغه البلد، أن صاحبه مخير إن أحب ضمنه قيمته بالبلد الذي حمله منه ويأخذ القيمة حيث شاء، وإن أحب أخذه وغرم الكراء .

وقال أشهب: لا كراء عليه وليس للجمال قول إن قال: أنا أرده إلى حيث نقلته ولا لصاحب الحمل أن يلزم الجمال أن يرده، وعلى الجمال أن يرجع فيحمل الحمل الذي استؤجر عليه.

وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب في هذا: إن صاحب الأحمال مخير بين أن يلزمه ردها أو يأخذها ولا كراء عليه إلا أن يعلم أن صاحبها كان راغبا في وصولها، فيكون عليه كراء المثل ويرجع ليأتي بما أكرى عليه . [ ص: 5787 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية