صفحة جزء
واختلف قول مالك في قسمة الحمام، وأن لا يقسم أحسن ولو رضي الشريكان لمنعهما السلطان لحق الله تعالى ونهيه عن إضاعة المال. وكذلك اختلف قوله في الدار الصغيرة فقال مالك وابن القاسم: تقسم وإن صار لكل واحد ما لا ينتفع به لقول الله -عز وجل-: مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا [النساء: 7] ، ثم قال سبحانه: وإذا حضر القسمة أولو القربى [النساء: 8] ، وقال أيضا ابن القاسم : لا تقسم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضرر ولا ضرار" ، ولهذا يرجع قوله في الساحة أنها لا تقسم إلا أن يصير لكل واحد ما ينتفع به; لأن الفساد الذي يلحق من خراب البناء أشد من ضيق الساحة ، وقال مطرف في كتاب ابن حبيب إذا كان لا يصير لكل واحد منهما ما ينتفع به لم يقسم وإن كان يصير لكل واحد منهما ما ينتفع به دون الآخرين قسمت .

قال الشيخ - رضي الله عنه - : إذا كان يريد بالقسم أن بعضهم ينتفع بنصيبه فيعطاه ويبقى الآخرون على الشركة -فحسن يجمع نصيبهم ويصير الآخرون كأهل [ ص: 5963 ] سهم، وإن كان يريد أنه يقسم عليهم فيعطون ما لا ينتفعون به فليس بحسن، وهذا الاختلاف إذا كانت الدار ميراثا أو للقنية، وإن كانت للتجارة لم تقسم قولا واحدا; لأن فيه نقصا للثمن وهو خلف ما دخلا عليه، وتقسم الساحة مع البيوت إذا كان يصير لكل واحد من الساحة ما ينتفع به لحوائجه ومدخله ومخرجه، وإن كان يصير له ما لا ينتفع به عاد الخلاف المتقدم في قسمة الدار إذا كان متى قسمت لم يصر له ما ينتفع به، وكذلك إذا قسمت البيوت دون الساحة، ثم دعا أحدهم إلى قسمتها فيختلف في ذلك حسب ما تقدم.

وقال مالك: الارتفاق بالساحة سواء فإن كان يصير لأحدهم طريقه فقط، وللآخرين ما ينتفعون به لم يقسم .

وقال محمد: الانتفاع على قدر عدد البيوت ولم يراع إن كان أحدهم كبيرا والآخر صغيرا ، وكل هذا إنما يصح إذا كانت القيم في حين القسمة على ذلك يحط القليل النصيب من البناء بقدر ما يزاد من الساحة; لأن الأصل في الساحة أن الشركة فيها قبل القسم على مثل الأجزاء في البيوت، فلو كانت دار بين ثلاثة: لواحد النصف ولآخر الثلث وللآخر السدس وقيمتها مائة وعشرون لأعطي صاحب النصف من البيوت والساحة ما قيمته ستون، والآخر ما قيمته أربعون والثالث ما قيمته عشرون، ولو أعطي هذا نصف المساكن والآخر ثلثها والآخر سدسها وجعلت الساحة بينهم أثلاثا، لكان في ذلك ظلم على صاحب النصف، وتصير قيمة النصف دون الستين والسدس [ ص: 5964 ] من فوق العشرين، وإذا قسمت البيوت ثم قسمت الساحة، فإنها تقسم بالتراضي ويعطى كل واحد نصيبه أمام بيته ولا تقسم بالقرعة; لأنه قد يقع نصيب أحدهم عند الآخر، وقال مالك: إذا كانت الساحة واسعة ولم يكن للبيوت حجر قسمت ويحجر كل واحد على نصيبه وإن لم يكن حجرا لم تقسم وبقيت مناخا لإبلهم ومرفقا لهم. وقال مطرف في كتاب ابن حبيب: لا تقسم مع البيوت وإن لم يكن لها حجر، والأول أحسن، ولا وجه لهذا أن يكون ملكا بين شركاء يمنعون من قسمته، وإنما قال ذلك مالك فيما وقف بعد التحجير. وقال: إن الشركاء يقصدون وقفه كالحبس، وما لم يتقدم فيه قسم فلا يقال ذلك فيه، ولو قال ذلك فيما قسمت بموته لو لم يحجر عليه لكان له وجه أن يكونوا وقفوه عن قسمتهم ليبقى مرفقها مشاعا، فأما إن لم تقسم البيوت فلا يمنعون من قسمتها مع قسمة البيوت، والصواب أن يقسم ويجعل كل واحد تحجيرا يستر به عن صاحبه ولا يجوز الرضا بغير تحجير; لأن فيه كشفة لحريمهم في تصرفهم ودخول بعضهم على بعض.

وإذا سكن أحدهم خارجا عن الدار كان له أن ينتفع بالساحة إذا لم يسكن نصيبه غيره. [ ص: 5965 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية