صفحة جزء
فصل [نصاب السرقة]

وللسرقة نصابان: فإن كانت من الذهب فربع دينار، وإن كانت من الورق فثلاثة دراهم، وإن كانت عرضا كان فيها قولان: فقيل: تقوم بالفضة ، وقيل: تقوم بما العادة أنها تباع به من ذهب أو فضة وإن كانت [ ص: 6056 ] تباع بهما جميعا قطع إذا بلغت قيمتها نصابا من أحدهما إلا أن يكون بيعها بأحدهما قليلا فلا يقوم به . وعلى هذا حمل الشيخ أبو بكر الأبهري مسألة الكتاب في قوله: إنها تقوم بالدراهم ; أن ذلك إذا كان الغالب من نقدهم الفضة، ويؤيد ذلك قول مالك إذا سرق دهنا فدهن به لحيته، فقال: يقطع إذا كان في قيمته إن سلت ربع دينار، وقال إن ذبح شاة وكانت قيمتها وقت خرج بها ربع دينار: قطع وهذا تسليم أن القيمة تكون بالذهب، والأصل في الذهب حديث عائشة - رضي الله عنها - وقد تقدم، وفي الورق قول النبي - صلى الله عليه وسلم - "والقطع فيما بلغ ثمن المجن" واختلف في قيمة المجن فقال ابن عمر: "قطع النبي - صلى الله عليه وسلم -: "في مجن ثمنه ثلاثة دراهم" . وفي النسائي عن عائشة: "ثمنه ربع دينار" . وفيه عن أنس: "ثمنه دينار" . وفيه عن ابن عباس: "ثمنه عشرة دراهم" . [ ص: 6057 ]

قال الشيخ -رحمه الله-: والقياس وإن كان خلاف المذهب أن يرجع في ذلك إلى نصاب الذهب; لأن الحديث في القطع فيما بلغ ثمن المجن ليس بصحيح.

والثاني: ما ذكر من الاختلاف في قيمة المجن الذي علق الحكم به، فينبغي أن يوقف ويرجع إلى ما لا يختلف فيه.

والثالث: أن حديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مجن، نازلة في عين، فلا يعارض به ما أقامه النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته لينتهى إليه من قوله القطع في ربع دينار فصاعدا، وفي كتاب محمد: إذا سرق ثلاثة دراهم ينقص كل درهم ثلاث حبات. وهي تجوز بجواز الوازنة لم يقطع، قال أصبغ: وأما حبتان من كل درهم فإنه يقطع . قال الشيخ: دراءة القطع أحسن.

وقد اختلف في وجوب الزكاة في مثل هذا النقص، وإذا لم تجب الزكاة كان أبين ألا يجب قطع.

واختلف أيضا إذا اختلف في قيمة السرقة فقومت بثلاثة دراهم وقومت بدون ذلك، فقال في الكتاب: يقطع .

وقال في مختصر الوقار: لا يقطع. وهو أبين، ولا يقطع إلا بأمر لا شك فيه للحديث: "ادرؤوا الحدود بالشبهات". والاختلاف شبهة.

وقال مالك إذا سرق شيئا قيمته دون ثلاثة دراهم وفي ناحية منه ثلاثة [ ص: 6058 ] دراهم قال: وإن كان ثوبا وما أشبهه مما يعلم الناس أن في مثله يسترفع الذهب والورق قطع، وإن لم يعلم أن ذلك فيه حين سرقه; لأنه بما لا يسترفع فيه مثل الخشبة والعصا لم يقطع ، وقوله في الثوب بما يعلم الناس أنه مما يسترفع في مثله الذهب والفضة إنما يكون في مثل المصر وما أشبهه، ولو كان قميصا خلقا، وقال: لم أعلم بما فيه لكانت شبهة يحلف ويدرأ عنه القطع ليلا كان أخذه أو نهارا، وأما العصا فإنما يصدق إذا أخذها ليلا، ولا يصدق إذا أخذها نهارا; لأنه لا يخفى إلا أن يكون أخرجها من مكان مظلم، ولو كان الذهب قد نقر له في خشبة لصدق ليلا أخرجها أو نهارا، ولا قطع على من سرق ربع دينار من حرزين لرجل واحد إذا كانت الدار مشتركة. ولو كانت غير مشتركة لقطع إذا أخرجها من باب الدار; لأن الباب حرز، وإن سرق ربع دينار لرجلين من حرز واحد قطع .

واختلف إذا سرق ربع دينار من حرز واحد في دفعات، فقال مالك في العتبية في الذي يأتي البيت وفيه القمح فيسرق منه وينقل بعضه قليلا [ ص: 6059 ] قليلا ما لا يجب القطع في كل نقلة إلى خارج، حتى يجتمع ما يجب فيه القطع في سرقة واحدة، فقال: أرى عليه القطع; لأنها سرقة واحدة، ولكن ثقل ذلك عليه .

وقال ابن القاسم في السارق: يدخل البيت في ليلة عشر مرات فيخرج في كل مرة بقيمة درهم أو درهمين، لا يقطع حتى يخرج في مرة واحدة بقيمة ثلاثة دراهم. [ ص: 6060 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية