صفحة جزء
فصل في الخلاف في صيام الدهر

اختلف الناس في صيام الدهر، فقال مالك وابن القاسم في المجموعة: لا بأس به. وقال ابن حبيب: إنما النهي إذا صام فيه ما نهي عنه، وذهب غير واحد إلى المنع; لحديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- قال: "بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- أني أسرد الصوم وأصلي الليل، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسمك عليك حقا، وإن لعينيك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزوارك عليك حقا. قلت: إني لأقوى على ذلك، قال: فصم صيام داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، وهو أفضل الصيام، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا أفضل من ذلك، لا صام من صام الأبد، [لا صام من صام الأبد".

وقال أيضا فيمن صام الأبد]: "... ما صام ولا أفطر..." أخرجه البخاري ومسلم. [ ص: 819 ]

فكان في هذا أربعة أدلة:

أحدها: أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بالفطر، ولم يكن يأمر بالأدنى عن الأفضل.

والثاني: قوله: "... لا أفضل من ذلك" فأخبر أن الفطر في ذلك أفضل من الصوم.

والثالث: دعاؤه على من صام الأبد، بقوله: "لا صام من صام الأبد...".

والرابع: أنه إذا صام في معنى من لم يكتب له أجر; لقوله: "ما صام ولا أفطر"، يريد: أنه ما أفطر; لأنه كان ممسكا، ولا صام; لأنه لا يكتب له فيه أجر الصائم. [ ص: 820 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية