صفحة جزء
فصل الخلاف فيمن له ماشية فباعها بنصاب ماشية من جنسها أو من غير جنسها

واختلف فيمن له ماشية فباعها بنصاب ماشية من جنسها ، أو من غير جنسها ، على أربعة أقوال : فقال مالك في المدونة فيمن باع غنما بغنم : إنه يبني الثانية على حول الأولى . وإن باعها بإبل ، أو بقر ، استأنف بالثانية حولا ، ولم يزكها على حول الأولى . وقال في كتاب ابن سحنون فيمن باع غنما بغنم : إنه يستأنف للثانية حولا . وقال أيضا : يزكي للثانية على حول الأولى ، مثل قوله الأول . وقال في المدونة فيمن باع غنما بإبل أو بقر : إنه يستأنف بالثانية [ ص: 1028 ] حولا . وقال في كتاب محمد : يزكيها على حول الأولى ، إذا كانت الأولى نصابا ، فإن كانت دون نصاب استأنف بالثانية حولا . وقال محمد بن مسلمة : يبني على حول الأولى . وإن كانت الأولى أقل من نصاب ، فقال فيمن له بعير أقام في يديه ستة أشهر ، ثم باعه بأربعين شاة ، ثم جاءه المصدق بعد ستة أشهر أخرى : زكى زكاة الغنم ؛ لأنها ماشية حال على أصلها الحول .

قال الشيخ - رضي الله عنه - : لا خلاف في زكاة العين ؛ الذهب والفضة ، أنه ليس من شرط وجوب الزكاة فيه أن يقيم ذلك العين حولا . وإنه إذا تجر فيه ثم عاد عينا ، أنه يزكي هذا العين الثاني على حول الأول ؛ بل ذلك أوجب في الزكاة إذا تجر فيه ؛ لأن تنمية العين لا تصح إلا بانتقال الأول . فإن بقيت العين على حالها ، وغلب على التنمية ، كان فيها قولان : هل تسقط الزكاة ، أم لا ؟ والماشية بعكس ذلك ، فتجب الزكاة إذا بقيت الغنم أو الإبل أو البقر في يده حولا ؛ لأن النماء موجود مع بقاء عينها ، وبقيت على الأصل ، أنه لا تجب الزكاة إلا مع بقاء تلك العين حولا . ورأى مرة أن الزكاة واجبة ، إذا باعها من جنسها ، بمنزلة من باع ذهبا بذهب . ورأى مرة أنه يستأنف الحول ، لما كان النماء موجودا مع بقاء عينها من غير نقل ملك . وإذا باع الغنم الأولى لم تجب في الثانية زكاة إلا بعد حول . [ ص: 1029 ]

واختلف بعد تسليم القول فيمن باع غنما بغنم ، أنه يزكي الثانية على حول الأولى . واختلف إذا تخللهما عين ، فباع الغنم بدنانير ، ثم اشترى بالدنانير التي أخذ عن الغنم غنما ، فقال محمد بن المواز : يستأنف بالثانية حولا . قال : وصارت كذهب فيها زكاة ، فابتاع بها غنما ، أنه يستأنف بها حولا . يريد : يسقط حكم الأولى . قال : وكذلك لو باع غنمه بذهب ، ثم استقاله منها ، فرجعت إليه ، فإنه يستأنف بها حولا . قال : وسواء قبض الثمن أو لم يقبضه . وقال عبد الملك بن الماجشون : يزكي الآخرة مع حول غنمه التي باع . قال : وكذلك لو أخذ بذلك الثمن إبلا أو بقرا ؛ لأنه لم يخرجها إلا لما فيه الزكاة ثانية ، ما لم يكن البدل ذهبا أو ورقا ، اشترى بها ماشية لقنية أو لتجارة ، فإنه يستأنف بها حولا .

وإلى هذا يرجع قول ابن القاسم في المدونة ، فيمن استهلكت له غنم ، فأخذ في قيمتها غنما . فقال ابن القاسم مرة : يزكي الثانية على حول الأولى ، وقال أيضا : إنه يستأنف بالثانية حولا . فرآه في القول الأول بمنزلة من كانت عنده ذهب ، ثم أولجها في عروض ، ثم باعها بذهب . والقول الآخر أحسن ، والغنم [ ص: 1030 ] في هذا بخلاف العين ؛ لأن الذهب ليس من شرطه بقاء العين الواحدة حولا ، ومن شرط الغنم على الصحيح من المذهب ألا تزكى حتى تقيم العين الواحدة حولا ، وإذا كان ذلك استأنف بالماشية الثانية حولا ، وإن كانت الغنم الأولى دون نصاب كان ذلك أبين ؛ لأنه لا يزكي الآخرة على حول الأولى وكذلك إذا كانت الأولى لقنية فاشترى الثانية ينوي بها التجارة . [ ص: 1031 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية