صفحة جزء
باب في الفقير ، هل تلزمه زكاة الفطر ؟

اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال : فقال مالك في المدونة فيمن تحل له زكاة الفطر : إنه يؤديها ، قال : وإن كان محتاجا ووجد من يسلفه فليتسلف . وقال ابن حبيب : إذا كان عنده فضل عن قوت يومه أخرجها . يريد : فضلا عن قوته وقوت عياله . وهذا راجع إلى ما في المدونة . وقال أبو محمد عبد الوهاب : يخرجها إذا كان لا يلحقه ضرر بإخراجها من فساد معاشه ، أو جوعه ، أو جوع عياله . وقال ابن الماجشون في المبسوط : الحد الذي تجب به وتسقط من حال اليسر والفقر أنه من كانت تحل له سقطت عنه . وقاله مالك في كتاب محمد ، قيل له : إن كانت له عشرة دراهم فأخرج زكاة الفطر أيأخذ منها ؟ فقال : أيخرج ويأخذ ؟!

لا ، إذا كان هكذا فلا يأخذ ، قيل له : إذا كانت له عشرة دراهم ، فلا يأخذ ، قال : ليس لهذا حد معلوم .

فأوجبها في القول الأول على الفقير لظاهر الحديث ، ولاتفاق المذهب على وجوبها عمن ينفق عليه من صغير أو كبير أو عبد ، وإن كانا فقيرين .

وألزمها في القول الثاني مع الفقر ما لم يؤد ذلك إلى حرج ؛ لأن الدين يسر ، فإن كان رأس ماله الشيء اللطيف ، وله عيال ، كان إخراجها مما يجحف [ ص: 1109 ] به ، وقد يؤدي ذلك إلى أن يتكفف من لم يكن ذلك من شأنه ، وأسقطت في القول الثالث عن الفقير لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أغنوهم عن طواف هذا اليوم" فمفهوم هذا : أنها مواساة ممن هو غني لمن هو يتكفف .

ولم يختلف المذهب في أنه ليس من شرط الغني أن يملك نصابا ، واختلف في صفة الفقير الذي تحل له ، فقيل : هو الذي تحل له زكاة العين . وقال أبو مصعب : لا يعطاها من أخرجها ، ولا يعطى فقير أكثر من زكاة إنسان ؛ وهو الصاع . وهذا الظاهر من قوله : "أغنوهم عن طواف هذا اليوم" ، فكان القصد : غناهم ذلك اليوم ، والقصد بما سواها من الزكوات ما يغنيه عما يحتاج من النفقة والكسوة في المستقبل ، وقد قيل : يعطى ما يكون فيه كفاف لسنته ؛ ولهذا قيل : إنه لا بأس أن يعطى الزكاة من له نصاب لا كفاية فيه ؛ ولا أعلمهم يختلفون أنه لا يعطى زكاة الفطر من يملك نصابا .

واختلف هل تجب على من له عبد ، ولا شيء له سواه ، أو يعطاها ؟ فقال مالك في المبسوط فيمن له عبد لا يملك غيره : عليه زكاة الفطر . فرآه موسرا بالعبد ، وقال في موضع آخر : لا شيء عليه ، وقاله أشهب في مدونته ، ورأى أنها مواساة . وسبيل المواساة : ألا يكلفها من هذه صفته ولا يعطاها من له عبد على قول أبي مصعب ، ويعطاها على القول الآخر . [ ص: 1110 ]

واختلف هل تجب على من عليه دين . فقال أشهب في مدونته : عليه أن يؤديها ، ورآها كزكاة الحرث والماشية : أن الدين لا يسقطها ، وقال : ليس يمنع الدين من الزكاة إلا زكاة العين . وقال أبو محمد عبد الوهاب : يبدأ بأداء الدين ، فإن فضل شيء أدى منه الزكاة ، وإن لم يفضل شيء سقطت عنه . [ ص: 1111 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية