صفحة جزء
باب في الوقت الذي تجب به زكاة الفطر

اختلف في ذلك على أربعة أقوال : فقيل : تجب بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان ، وقيل : بطلوع الفجر من تلك الليلة ، وقيل : بطلوع الشمس من يوم الفطر ، وقيل : الأمر فيها مترقب في جميع ذلك اليوم ، وبغروب الشمس من ذلك اليوم ينختم وجوبها .

وفائدة ذلك في ستة أسئلة : في الولادة ، والموت ، والإسلام ، والبيع ، والطلاق ، والعتق .

فعلى القول : إنها تجب بغروب الشمس من آخر رمضان ، تجب على من مات بعد الغروب ، وتسقط عمن توالد ، أو أسلم ذلك الوقت ، وتكون في البيع على البائع دون المشتري ، وفي الطلاق على الزوج دون الزوجة ، وفي العتق على السيد دون العبد ؛ إذا كان البيع والطلاق والعتق بعد غروب الشمس .

وعلى القول : إن المراعى : طلوع الفجر ، تجب على من كان حيا ، أو باع أو طلق أو أعتق بعد طلوع الفجر ، أو توالد أو أسلم قبل طلوع الفجر ، وتسقط [ ص: 1112 ] عمن مات ، أو طلق أو أعتق أو باع قبل ، أو توالد أو أسلم بعد . وتكون الزكاة على المشتري والزوجة والعبد ، وكذلك على من قال : تجب بطلوع الشمس ، يراعى فيمن كان قبل أو بعد حسب ما تقدم . فأما من قال : إنها مترقبة في سائر ذلك اليوم ، يراعى مثل ذلك في سائر ذلك اليوم ، وجميع هذه الأقوال مروية عن مالك ؛ إلا القول بطلوع الشمس ، فإنه عن بعض أصحابه .

وأخذ أشهب وأصبغ بالقول الأول ، وأخذ ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون بالقول الثاني ، أنها تجب بطلوع الفجر ، وأما إيجابها بغروب الشمس من آخر يوم من رمضان فلقول ابن عمر : "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر من رمضان" فأول الفطر : ذلك الوقت ، ولأنه لا يخلو أن يكون المراد بها الشكر منا لإكمال عدة رمضان ، أو لتعقب قربة الصوم [ ص: 1113 ] بقربة الصدقة .

وأي ذلك كان ، فإن ذلك يجب بغروب الشمس ، وأما مراعاة طلوع الفجر فلأنه الوقت الذي يفطر فيه ، وهو الذي كان بالأمس ممنوعا من الأكل فيه ، فيكون معنى الفطر من رمضان : أن يدخل في زمن لم يكن يفطر فيه ، وليس المراد غروب الشمس من تلك الليلة ؛ لأن جملة ليالي رمضان موضع الفطر ، وقد لزم هذا الاسم ذلك اليوم ، فقيل : يوم الفطر ، وإن كان يوم النحر مثله يفطر ولا يصام ، وأما الاعتبار بطلوع الشمس فلقوله - صلى الله عليه وسلم - : "أغنوهم عن طواف هذا اليوم" ، وهو أبينها .

ولو كان الوجه الشكر بإكمال الصوم أو بالدخول في الفطر لم يجب على من لم يتقدم له صوم من صغير أو مولود أو من أسلم قبل أن يصح منه صوم أو مريض أو مسافر ، وفي الإجماع على وجوبها على هؤلاء دليل على بطلان ما سواه ، ووجه اعتبار جملة ذلك اليوم إلى الغروب فلأن وقتها موسع ، ومتى أعطى فيه كان مؤديا ، ولا يكون قاضيا إلا بغروب الشمس .

واختلف فيمن أسلم ، فقال مالك في المدونة : إن أسلم بعد طلوع الفجر من يوم الفطر استحب له أن يؤدي زكاة الفطر . وقال في كتاب ابن حبيب : إن أسلم قبل طلوع الفجر من يوم الفطر وجبت عليه زكاة الفطر . وقال [ ص: 1114 ] أشهب : إن أسلم بعد طلوع الفجر من آخر يوم من رمضان فلا أرى ذلك لازما له ؛ لأنه لم يصم من رمضان شيئا ، ولم يكن من أهله ، وإني لأستحب ذلك له . وهذا ينتقض عليه بالصغير والمريض والمسافر . [ ص: 1115 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية