صفحة جزء
باب في الدفع من عرفة ونزول المزدلفة والوقوف بالمشعر الحرام

وإذا غربت الشمس دفع الناس من عرفات ، فإذا أتوا المزدلفة جمعوا بين المغرب والعشاء ، ويبدؤوا بالصلاة قبل أن يحطوا رحالهم ، قال مالك : إلا أن يكون الرحل الخفيف ، وأما المحامل والزوامل فيبدؤوا بالصلاة . وفي الحديث : أنه بدأ بالمغرب ، ثم حطت الرحال ، ثم صليت العشاء . واختلف فيمن صلى المغرب قبل المزدلفة ، أو جمع الصلاتين بعد مغيب الشفق وقبل المزدلفة ، فقال ابن القاسم : يعيد الصلاة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "الصلاة أمامك" . قال : إلا ألا يستطيع أن يمضي مع الناس لعلة به أو بدابته ، فإنه يمهل حتى يغيب الشفق ، ثم يصليها . وقال أشهب في كتاب محمد : لا إعادة عليه ، إلا أن تكون صلاته قبل مغيب الشفق فيعيد العشاء وحدها .

وهو أحسن ؛ لأن الإتيان بالصلاة في وقتها أفضل ، والتأخير إلى المزدلفة رخصة ؛ لأن الناس بعرفة عند الغروب بمنزلة من غربت عليه الشمس وهو على ظهر ، فيوسع له أن يؤخر حتى يبلغ المنهل ، وهذا فيمن أدرك الوقوف مع الإمام ، فأما من لم يقف مع الإمام فإنه يصلي كل صلاة لوقتها . وقال ابن [ ص: 1217 ] القاسم : إن طمع أن يقف ويرجع إلى المزدلفة في ثلث الليل رأيت أن يؤخر حتى يأتي المزدلفة ، ويجمع بينهما .

ويقيم الناس بالمزدلفة حتى يصبحوا ويصلوا الصبح ، ثم يقفوا بالمشعر الحرام ، ثم يدفعوا قبل الإسفار الثاني .

واختلف في ثلاثة مواضع :

أحدها : إذا دفع من عرفة إلى منى ، ولم ينزل بالمزدلفة . فقال مالك : عليه الدم . فإن نزل بها ثم دفع أول الليل ووسطه فلا دم عليه . وقال عبد الملك ابن الماجشون في المبسوط : لا دم عليه إن دفع من عرفات إلى منى .

والثاني : إذا أتى بعد الفجر ، ثم نزل بالمزدلفة ، فقال ابن القاسم : لا دم عليه . وقال أشهب : عليه الدم .

والثالث : إذا نزل بالمزدلفة ولم يقف بالمشعر الحرام ، فقال مالك وابن القاسم : لا دم عليه ، وإن وقف بالمشعر الحرام ولم ينزل بالمزدلفة كان عليه الدم . وجعلوا النزول بالمزدلفة آكد من الوقوف بالمشعر الحرام . وقال عطاء وابن شهاب وغيرهما : عليه الدم . وقال علقمة والشعبي والنخعي : إذا لم يقف بالمشعر الحرام فقد فاته الحج . وهذا الأمر لقول الله تعالى في الوقوف بالمشعر الحرام : فاذكروا الله عند المشعر الحرام ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "من شهد [ ص: 1218 ] صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى يدفع ، ووقف قبل ذلك بعرفة فقد تم حجه" ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "من أدرك جمعا فوقف مع الناس حتى يفيض فقد أدرك ، ومن لم يدرك ذلك فلا حج له" . وفي كتاب مسلم : "أن ابن عمر كان يقدم ضعفة أهله ، فيقفون عند المشعر الحرام بالليل ، فيذكرون الله ما بدا لهم ، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام ، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ، ومنهم من يقدم بعد ذلك ، فإذا قدموا رموا الجمرة ، وكان يقول : أرخص لأولئك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" . فأمر أهله بالوقوف قبل الفجر ، وجعل الرخصة في تعجيل الوقوف ليس في إسقاطه ، وذكر محمد بن المواز عنه مثل ذلك . [ ص: 1219 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية