صفحة جزء
باب في فدية الأذى وأين يخرج

فدية الأذى ثلاثة أصناف حسب ما ذكر الله تعالى في كتابه : صيام أو صدقة أو نسك . يفتدي بأي ذلك أحب ، وأبان النبي - صلى الله عليه وسلم - : قدر الصدقة والصيام وما يجزئ من النسك ، فقال لكعب بن عجرة : "صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، أو انسك بشاة" قال مالك : وله أن يفعل ذلك بحيث يشاء من البلاد . فجعلها على التراخي . وعلى القول أن الأوامر على الفور : يكون عليه أن يأتي بها بمكة ، ولا يؤخرها لرجوعه .

فإن وجبت عليه الفدية قبل الوقوف ، وأحب أن يكفر بالصيام ؛ صام قبل وقوفه . واختلف إذا أخر الصوم حتى إذا وقف ، ووجبت عليه بعد الوقوف ، هل يصوم أيام الرمي ؟ فأباح ذلك في المدونة ، وكرهه في كتاب محمد ، ورأى أنها أيام منهي عن صيامها ، فلا يصوم فيها إلا الثلاثة من العشرة ، لورود النص فيها بذلك .

وقال في النسك : ليس عليه أن يقلده ولا يشعره ، إلا أن يحب أن يجعله هديا . وهذا على أصله أنها على التراخي . والاستحباب : أن يعجل ذبحه [ ص: 1302 ] إن كان وصل إلى موضعه ، ولا يؤخره ليبعثه ، ويجعله هديا . وقال الشافعي وأبو حنيفة : لا يجزئ النسك إلا بمكة . ورأيا أنه دم وجب عن أمر تعلق بحج أو عمرة ؛ فوجب أن يراق بتلك المواضع مثل غيره مما وجب عن الحج . وقال الشافعي في الطعام مثل ذلك ؛ أنه يطعم بمكة . وهذا يحسن على القول أنه على الفور ، وليس له إن خرج عن مكة ووصل إلى بلاده أن يؤخر إخراجه حينئذ . وقال مالك : يطعم مدين مدين لكل مسكين من طعام ذلك البلد وإن كان عيشهم الشعير أطعم منه مدين مدين .

وقال محمد : إن أطعم من الذرة نظر مجزأه من القمح ، فيزيد من الذرة قدر ذلك .

وليس هذا بالبين ، ولا يصح أن يجعل القمح أصلا ، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمدين لكل مسكين .

وغالب أقواتهم حينئذ التمر . وفي كتاب أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بثلاثة آصع تمر . فالتمر الأصل ، ومدان من تمر قوت الرجل في يومه بين غدائه وعشائه ، والكفارة عن العمد والخطأ والنسيان . ومن اضطر إلى ذلك ففعله لوجه جائز عن ضرورة سواء . ولا يجوز لأحد أن يأتي ذلك اختيارا ويكفر ؛ لأن ذلك انتهاك لمحارم الله تعالى . [ ص: 1303 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية