صفحة جزء
فصل [في الخلاف في قتل الأجراء والحراثين]

واختلف في الأجراء والحراثين .

فقال ابن القاسم في كتاب محمد : رأيت مالكا يفر من قتل من لا يخاف من مثله ؛ كالشيخ الفاني ، وأهل الصناعات والفلاحين .

قال عبد الملك ابن الماجشون : وكذلك الصناع بأيديهم ، وكل من لم يكن من مقاتلتهم ، وإنما يجلبون ليكثر بهم ، وللعمل .

وبهذا أخذ ابن حبيب ، وذكر الحديث في النهي عن قتل العسيف وهو الأجير . [ ص: 1353 ]

وقال ابن وهب : روي النهي عن قتل الأكارين وعن الحراثين . قال سحنون : لم يثبت النهي عن قتل العسيف . وقال : وهو وغيره سواء . قال : ونحن نرى قتل الحراث ببلد الحرب .

وقول مالك أحسن ؛ لأن هؤلاء في أهل دينهم كالمستضعفين ، ويمكن أن لو كانوا منفردين عنهم لاختاروا أن يعطوا بأيديهم ، فلا يجري عليهم حكم من عاند .

وأما الشيخ الكبير ؛ فلا يقتل ، إلا أن يعلم أنه ممن له الرأي والتدبير على المسلمين . .

وأما النساء والصبيان ؛ فالإمام مخير فيهم بين ثلاثة أوجه : المن والفداء والاسترقاق .

ويسقط عنهم شيئان : القتل والجزية .

واختلف إذا قاتلا قبل الأسر ، فقال سحنون : لا تقتل المرأة وإن قاتلت ، إلا في حال القتال ، ولا تقتل بعد ذلك .

وهذا لظاهر الحديث في النهي عن قتلهن ؛ ولأن ذلك من حسن نظر المسلمين أن يتركن لينتفع بأثمانهن ؛ لأنه لا يخشى منهن من بعد الأسر . وعلى [ ص: 1354 ] قوله : لا يقتل الصبي بعد الأسر ، وإن تقدم منه قتال قبل ذلك .

وفي العتبية من سماع يحيى بن يحيى ، قال : قتلهما حلال ، كما كان يحل ذلك منهما في حال القتال وقبل الأسر .

وهذا لقوله - صلى الله عليه وسلم - في المرأة التي قتلت : "ما كانت هذه تقاتل" .

وقال أصبغ في ثمانية أبي زيد : إن كانت قتلت ؛ قتلت الآن ، وكذلك المراهق من الصبيان .

ورأى أن قتالهما ليس بقتال ، إلا ممن ظهر منه القتل .

قال ابن حبيب : إلا أن يرى الإمام استحياءهما ، كما يستحيي من شاء من الأسارى . يريد : وإن كان قتل .

وقول سحنون في هذا أحسن . ولا أرى أن يقتل منهم أحد ؛ لأن كل [ ص: 1355 ] هؤلاء لا يخشى منهم بعد الأسر ، فاستبقاؤهم مالا أصوب . وهو في الصبي أبين ؛ لأنه ممن لا يخاطب بالشرع ، مع أن الغالب فيمن صار إلى ملك المسلمين ممن لم يبلغ أنه مع المقام يعود إلى الإسلام .

فيجب أن يرجأ أمره ليدخل في الإسلام ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي - رضي الله عنه - : "لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم" .

التالي السابق


الخدمات العلمية