صفحة جزء
باب في تحريق العدو بالنار والتدخين عليهم ، وإذا أحرقوا هم مراكب المسلمين هل يلقي المسلم نفسه في البحر ؟

وإذا كان العدو في حصن فلا بأس أن يرمى بالمجانيق ، وإن كان فيهم نساء أو ذرية أو مسلمون أسارى ، إلا أن يبرزوهم لموضع الرمي ، فلا يرموا به .

ولا بأس أن يرموا حينئذ سور الحصن ؛ ليتوصل إلى هدم ما يتوصل به إلى الدخول ، ولو أبرزوا حينئذ الأسارى ، وقالوا : إن فعلتم ذلك قتلناهم ؛ لرأيت أن يوقف عنهم حتى يجعل الله لهم فرجا .

ولا بأس أن يحرق سور الحصن بالنار ؛ ليتوصل إلى الدخول .

وإن كان يحرق [من فيه] ؛ جاز إذا لم يكن فيه إلا المقاتلة ، ولم يقدر عليهم بغير الحرق ، ولم يجز إذا كان فيه أسارى من المسلمين .

واختلف إذا كان معهم نساؤهم وذراريهم ، ولا مسلمين معهم ، فمنعه [ ص: 1398 ] ابن القاسم في المدونة .

وأجازه ابن المواز ، وقال : لا بأس إذا لم يقدر على أخذهم أن يحرق عليهم الحصن ، أو يغرق بالماء . قال : ولو اجتنبوا النار كان أحب إلي .

وقال في المطمورة : إنما فيها النساء والذرية ، فلا يدخن عليهم إذا كان التدخين يقتلهم .

فمنع إذا كانوا بانفرادهم للحديث في النهي عن قتال النساء والصبيان .

وأجازه إذا كانوا مع الرجال لحديث الصعب بن جثامة ، قال : يا رسول الله ، إن الخيل في غشم الغارة تصيب من ذراري المشركين . فقال رسول الله : "هم منهم ، أو مع آبائهم" وهذه ضرورة . [ ص: 1399 ]

وروي عن ابن القاسم أنه قال : لا تحرقوا بالنار ، وإن كان فيهم المقاتلة خاصة . وقاله سحنون .

وأظن ذلك لحديث أبي هريرة ، قال : بعثنا رسول الله في بعث ، فقال "إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار" ، ثم قال رسول الله حين أردنا الخروج : "إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا ، وإن النار لا يعذب بها إلا الله -عز وجل- إن وجدتموهما فاقتلوهما" أخرجه البخاري .

ومحمل الحديث : إذا وجدتموهما فصارا أسيرين ، فأما إن امتنعوا ولم يقدر عليهم إلا بذلك ؛ فلا بأس ؛ ولأنهم قادرون عندما يرون النار أن يخرجوا ، فلا يموتون بها .

وإن كانوا في غار ؛ كان الجواب في إحراقهم على ما تقدم إذا كانوا في حصن ، فيجوز إذا كانوا مقاتلة خاصة ، ويمنع إذا كان فيهم مسلمون ، ويختلف إذا كان معهم النساء والذرية .

وأما التدخين ، فيجوز إذا كانوا مقاتلة خاصة ، وإن أدى إلى قتلهم . وإن كان معهم أسارى دخن تدخينا يرجى معه خروجهم من غير موت ، فإن لم يخرجوا ؛ تركوا . [ ص: 1400 ]

ويختلف إذا لم يكن فيهم مسلم ، أو كان فيهم الذرية والنساء .

وإن لقي المسلمون مركبا من العدو ، فإن كانوا مقاتلة خاصة ؛ جاز تغريقهم ويختلف في تحريقهم بالنار .

وأرى أن يجوز إذا لم يقدر عليهم بغير الحرق ، وإن كان العدو الطالبين للمسلمين ولم يقدروا على صرفهم إلا بالنار ؛ جاز قولا واحدا ، وسواء كان مع العدو نساؤهم وذراريهم ، أم لا .

وأرجو إذا كان معهم النفر اليسير من المسلمين أن يكون خفيفا ؛ لأن هذه ضرورة .

ويختلف إذا كان المسلمون الطالبين لهم ، فدفعوا عن أنفسهم بالنار ، هل يرمون بالنار ، ويصيرون بمنزلة من لم يقدر عليه إلا بالنار ؛ لأن فعل العدو ذلك ذب عن أنفسهم ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية