صفحة جزء
فصل [في الرجل يدرك الصيد ميتا]

وإذا لم يتبعه، ورجع عن طلبه، ثم أدركه ميتا، فإن لم ينفذ مقاتله لم يؤكل، والبازي والكلب في هذا سواء; لإمكان أن يكون لو اتبعه لأدرك ذكاته، وإن وجده وقد أنفذت مقاتله افترق الجواب: فإن كان رماه بسهم أكل; لأنها رمية واحدة، وقد أنفذت مقاتله ، فاتباعه وعدمه سواء. [ ص: 1477 ]

وإن أرسل بازيا أو كلبا لم يؤكل; لإمكان أن يكون لو اتبعه لأدركه قبل أن تنفذ مقاتله. وإلى هذا ذهب محمد ، إلا أن يعلم أن مثل ذلك المرسل يفيت المرسل عليه سريعا; لقوة بطش هذا، وضعف الآخر.

واختلف أيضا إذا لم يقدر على الصيد حتى بات ، ثم وجد من الغد ميتا وقد أنفذت مقاتله، فقال في الكتاب : لا يؤكل . وساوى في ذلك بين السهم والبازي.

وقال عبد الملك بن الماجشون عند ابن حبيب : يؤكل فيهما جميعا، قال: وإن لم تنفذ مقاتله لم يؤكل; مخافة أن يكون إنما قتله بعض هوام الأرض ودوابه، أو أعان على قتله .

وأجاز ذلك ابن المواز في السهم، ومنعه في البازي والكلب.

ولمالك في مدونة أشهب ، قال: إذا وجدت الصيد، وفيه أثر سهمك أو كلبك فلا بأس به ما لم يبت، فإن بات فإنه يكره أكله. فجعل تركه على وجه الكراهية، ولم يفرق بين ما أنفذت مقاتله أو لا.

وذكر ابن القصار عن مالك مثل ذلك، قال: إذا بات عنك، فلم تجد فيه غير أثر سهمك، أو أثر كلبك فلا بأس بأكله. وسواء كان صاحبه يطلبه [ ص: 1478 ] أو لا. فساوى في هذه الرواية بين السهم والكلب، وما أنفذت مقاتله وما لم تنفذ، وما رجع عنه صاحبه اختيارا، أو بات عنه .

ووردت الأحاديث بمثل ذلك، فأخرج البخاري ومسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "إذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين، وليس به إلا أثر سهمك، فكل" . وزاد مسلم في الكلب مثل ذلك : "أنه يأكله وإن بات ما لم ينتن" .

فجاءت هذه الأحاديث مجملة، ولم يشترط فيها إنفاذ المقاتل، وهذا هو الصواب، ومحمله على أنه مات مما أرسل عليه، وأنه القاتل له حتى يعلم غير ذلك، ويفترق الجواب إذا لم يتبعه وتركه اختيارا، فيؤكل في السهم إذا أنفذ مقاتله; لأنها رمية واحدة وقد أنفذت ، فلا فرق بين اتباعه ورجوعه عنه.

ولا يؤكل إذا لم تنفذ ، ولا ما صاده الكلب، أنفذت مقاتله أم لا; [ ص: 1479 ] لإمكان أن يكون لو اتبعه لأدرك ذكاته قبل أن تنفذ مقاتله، إلا أن يعلم أن الكلب يسرع بإفاتته قبل أن يلحقه; لأنه أنفذه ، أو لأنه من صغار الوحش كالأرنب، وما أشبهه.

ولو أرسل فهدا أو نمرا لنظرت إلى المرسل عليه، هل هو مما يسرع بإفاتته لشدة بطشه، وينظر في الطير مثل ذلك، ينظر إلى قربه وبعده، وليس البازي كالعقاب.

التالي السابق


الخدمات العلمية