فصل [في
أنواع النذر]
النذور ستة: طاعة، ومعصية، وطاعة تضمنت معصية، وطاعة ناقصة عن الوجه الذي يجوز الإتيان بها، وما ليس بطاعة ولا معصية، ونذر مبهم.
فالأول: أن ينذر صلاة أو صياما أو حجا أو عتقا أو صدقة، فيلزم الوفاء بذلك للآي والأحاديث التي تقدمت.
والثاني: أن ينذر ألا يصل رحما، وأن يشرب خمرا، أو لا يتقرب إلى الله بقربة. فهذه معصية لا يجوز الوفاء بنذرها، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=663816 "ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" . ولأن النذر لا ينقل الشيء عن أصله، فيبيح الحرام ولا يحرم الحلال، إلا أنه له أن يأتي بقربة من جنس نذر المعصية، لتكون كفارة عن تلك المعصية لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655642 "من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال: تعال أقامرك فليتصدق" . ولهذا قيل فيمن قال: لله علي أن أنحر ولدي فليهد; لأنه نذر هدي معصية، فيؤمر أن يأتي به على وجه يكون طاعة، وإن لم يكن له مثل، فليتقرب إلى الله سبحانه بما رآه من الخير.
والثالث: أن ينذر صوم يوم الفطر أو يوم النحر وأن يصلي عند طلوع الشمس أو عند غروبها، فهذه طاعة تضمنت معصية من ناحية الوقت، وقد سئل
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنه - عمن نذر صوم يوم الاثنين فوافق يوم النحر؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن [ ص: 1634 ] عمر - رضي الله عنه -
nindex.php?page=hadith&LINKID=663072أمر الله تعالى بوفاء النذر، ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم هذا اليوم .
فوقف في ذلك فلم يأمر به، ولم ينه عنه.
والناذر في هذا على ثلاثة أوجه:
فإن كان عالما بتحريم ذلك وبالنهي; لم يجب عليه الوفاء، ويستحب له أن يأتي بطاعة من جنسه، فيصوم رجاء أن تكون كفارة لنذره.
وإن كان جاهلا بتحريم ذلك، وظن أن في صومه ذلك فضلا على غيره; فقد يظن من لم يعلم بالحديث أنه لما منع نفسه من لذاتها في ذلك اليوم; أن له من الأجر أكثر من غيره، فهذا لا يجب عليه قضاء، ولا يستحب له.
وإن كان يظن أنه في جواز الصوم كغيره، ولا فضل له; كان في القضاء قولان: فقيل: لا شيء عليه، والغلبة عليه كالغلبة بالمرض. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12873عبد الملك بن الماجشون : يقضيه; لأنه لم يرد صوما له فضل على غيره، وإنما أراد صوما .
والرابع: أن ينذر أن يصلي ركعة، أو يصوم بعض يوم، أو يعتكف الليل دون النهار، أو يطوف شوطا، أو يقف
بعرفة، ولا يزيد على ذلك، واختلف في هذا الأصل: فقيل: لا شيء عليه. وقيل: يأتي بمثل تلك الطاعة تامة على ما يجوز أن يؤتى به عليها.
[ ص: 1635 ]
فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم : إذا نذر اعتكاف ليلة أنه يعتكف يوما وليلة .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : لا شيء عليه . وعلى هذا يجري الجواب في الصلاة والصوم والطواف والوقوف
بعرفة، فعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم يأتي بتلك الطاعة تامة، وعلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون لا شيء عليه. وهو أحسن; لأنه ألزم نفسه صفة وقدرا; فلا يلزمه أكثر منه، إلا أن يكون عالما بمنع ذلك، فيستحب له أن يأتي ذلك كاملا; رجاء أن يكون كفارة لتلك المعصية.
والخامس: أن ينذر أن يمشي إلى
الشام ، أو يشتري عبد فلان، والمنذور ليس بطاعة ولا معصية، ورده
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في الموطأ إلى
النذر في معصية، فقال: من نذر المعصية مثل أن ينذر أن يمشي إلى
الشام أو
مصر . وتحقيق ذلك أن يقال: إن النذر معصية، وهو قوله، والمنذور ليس بطاعة ولا معصية; لأنه لا يختلف أن ذلك (مما) لا يجوز أن ينذر، وهذا من التلاعب; فيستحب له أن يمشي في طاعة، أو يأتي عن تلك بطاعة وإن لم يكن مشيا أن يتصدق.
والسادس : أن ينذر نذرا مبهما لم يسم له مخرجا، فقال: علي نذر; أجزأه عن ذلك كفارة يمين بالله تعالى; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660111 "كفارة النذر كفارة اليمين" أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . فعلق الحكم بأدنى الكفارات; لأن الزائد على ذلك مشكوك
[ ص: 1636 ] فيه، فلا تعمر الذمة بشك، و
nindex.php?page=hadith&LINKID=64134 "آلى رسول الله من نسائه شهرا، فاعتزل نساءه تسعة وعشرين" فاحتسب بأقل الشهور.
وقال
محمد بن عبد الحكم فيمن نذر صوم شهر: يجزئه أدنى الشهور; تسعة وعشرون يوما . وما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - أنها أعتقت عن يمينها بالنذر أربعين رقبة . فأخذت بأعلى ما يراد من ذلك، ليس لأن ما دون ذلك غير جائز.
[ ص: 1637 ]