صفحة جزء
فصل [في الركوب والمشي في المساجد الثلاثة]

وقال مالك فيمن قال: علي المشي إلى مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو إلى مسجد بيت المقدس: فليأتهما راكبا، ومن قال: علي المشي إلى بيت الله; فهذا الذي يمشي، ومن قال: علي المشي إلى غير هذه الثلاثة المساجد; لم يكن عليه أن يأتيها لا ماشيا ولا راكبا، وليصل في بيته إن كان أراد الصلاة فيها .

وقال ابن القاسم : وإن قال علي المشي إلى المدينة أو إلى بيت المقدس لم يأتهما، إلا أن يريد الصلاة في مسجديهما فليأتهما راكبا، ومن قال من أهل مكة أو المدينة أو بيت المقدس: لله علي أن أصوم بعسقلان أو بالإسكندرية أو موضع يراد فيه الرباط; فعليه أن يأتيه . فألزم مالك الوفاء بالصلاة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ومسجد بيت المقدس.

وقال ابن وهب : عليه أن يأتي ماشيا .

وقال ابن المواز : وقد قيل: إن كان قريبا الأميال اليسيرة أتى ماشيا .

وقال إسماعيل القاضي: من نذر المشي إلى المسجد الحرام للصلاة ليس [ ص: 1661 ] للحج; لم يكن عليه أن يمشي، وركب إن شاء، ولا يدخل إلا محرما. فلم يلزمه المشي، وإن سمى مكة لما أوجبه في الصلاة.

والقول أنه يمشي في جميع ذلك أحسن; لاتفاقهم أن المشي للصلاة تتعلق به قربة; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أدلكم على ما يمحو به الله الخطايا; كثرة الخطا إلى المساجد" . وقال: "أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم ممشى" . وإن كان ذلك يتعلق بالمشي طاعة دخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من نذر أن يطيع الله فليطعه" .

وإن نذر مكي أو مدني الصلاة في مسجد بيت المقدس، صلى في مسجد موضعه، في المسجد الحرام أو مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأجزأه، وإن نذر مقدسي الصلاة في أحد هذين المسجدين، أتاهما . وإن نذر مدني الصلاة في المسجد الحرام، أو مكي الصلاة بمسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -; أتاه ، وذلك أحوط; ليخرج من الخلاف.

وقياد قول مالك يأتي المكي المدينة، ولا يأتي المدني مكة، وأوجب مالك [ ص: 1662 ] على المكي والمدني والمقدسي أن يأتوا الإسكندرية وعسقلان للرباط، ولم ير ذلك داخلا في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشد المطايا إلا لثلاثة مساجد. . ." الحديث; لأن هذه المواضع تختص بمعنى لا يوجد في المساجد الثلاثة، ومحمل الحديث على من نذر صلاة، فلا يشد لها المطي ; لأن الصلاة بموضعه أفضل، ولو نذر مكي أو مدني أن يأتي أحد هذين الموضعين لصلاة واحدة ويعود من فوره ليس للرباط، لصلى بموضعه، ولم يأتهما.

ومن قال: علي المشي إلى بيت الله، ونوى مسجدا ; كانت له نية، وإن لم تكن له نية; كان عليه أن يمشي إلى البيت الحرام.

واختلف إذا قال: علي المشي، ولم يذكر مسجدا، فقال ابن القاسم : لا شيء عليه . وقال أشهب : عليه أن يمشي إلى مكة.

والأول أبين، ولا نجد من يقف على ذكر مكة في مثل هذا، إلا لأنه أراد الهروب من التزام المشي إلى مكة، أو الإلغاز لمن حلف له . [ ص: 1663 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية