صفحة جزء
فصل [في إجبار الولد إذا كان صغيرا]

وأما الذكر فللأب أن يجبر ولده إذا كان صغيرا، ويختلف فيه إذا كان بالغا سفيها ، واختلف في إجبار الوصي من في ولايته من صغير أو كبير، وليس ذلك للولي في صغير أو كبير.

فأجاز في "الكتاب" أن يزوج من في ولايته من صغير أو كبير . وقال في [ ص: 1805 ] "كتاب محمد ": ليس في هذا نظر ولا يعجبني . وقال المغيرة في "كتاب المدنيين" إن كانت امرأة ذات شرف ومال أو ابنة عم جاز .

وأجاز ابن القاسم إجبار البالغ السفيه، ومنعه عبد الملك بن الماجشون إلا برضاه .

وقال مالك في "مختصر ما ليس في المختصر": أعجب إلي أن لا يزوج المغلوب على عقله، وما رأينا أحدا زوج مثل هذا.

قال في "المختصر": وفي المصابة لا تزوج; لأنه لا أمر لها. قياسا على هذا، فوجه إجازة تزويج الصغير بخلاف الصغيرة ; لأنه مشتر له ما يرى فيه الصلاح، وله أن يحل ذلك عن نفسه إذا بلغ وكره ذلك، وليس للصبية حل ذلك عن نفسها.

ووجه المنع أنه يشتري له شيئا لا يصح منه قبض المشترى الآن، وإنما يصح منه الانتفاع به بعد البلوغ في وقت الغالب منه إيناس الرشد منه ; لأن الغالب من بني آدم الرشد وحسن النظر في الدنيا والكلب عليها. وإذا كان كذلك كان من الصواب أن يؤخر ذلك ليكون هو الناظر لنفسه فيه، وليس [ ص: 1806 ] كذلك ما يشترى له من السلع; لأن السلع يصح منها الانتفاع بالربح أو بالاغتلال أو باللباس إذا كان ذلك للباسه، ويلزم على هذا الأب ألا يزوج ولده في حال صغره.

وقول المغيرة عدل بين هذه الأقوال; ألا يزوج إلا أن يرى غبطة، أو ما يخشى فواته، ولا يتيسر في الغالب مثله، وإن كان على غير ذلك لم يزوج.

وإن بلغ رشيدا نظر حينئذ إما أن يتزوج أو يرى غير ذلك، وإن بلغ سفيها كان له اجتهاد غير ما يراه الآن.

وأما السفيه فلإجباره وجه; لأنه يشتري له ما يصح منه الانتفاع به الآن.

ونكاحه على أربعة أوجه: واجب، وجائز، وممنوع، ومستحسن.

فإن كان يخشى عليه فساد إن لم يزوج، ولا يخاف منه المبادرة إلى الطلاق كان تزويجه واجبا، دعا إلى ذلك أو لم يدع إذا لم يكن لتسرره عنده وجه.

وإن كان لا يخاف منه فساد ولا مبادرة إلى الطلاق كان واسعا: إن شاء فعل ذلك وإن شاء ترك ما لم يدع إلى ذلك، فإن دعا إلى ذلك كان عليه أن يزوجه.

وإن كان ممن يخاف منه المبادرة إلى الطلاق لما علمه من خفته وطيشه وقلة تثبته، ولا يخاف منه فسادا- منع من تزويجه، دعا إلى ذلك أو لم يدع إلا أن يكون الصداق تافها يسيرا. [ ص: 1807 ]

وإن كان لا يؤمن فساده، وكان يقدر على حفظه من ذلك وصيانته فعل ولم يزوجه، وإن لم يقدر على ذلك زوجه بعد التربص.

وأما المجنون فإن كان لا يفيق لا يصح طلاقه، وسقط اعتبار هذا الوجه ، فإن كان لا يخشى منه فسادا لم يزوجه، وإن كان يخشى ذلك منه زوجه; لأنه وإن كان لا يتعلق بزناه في نفسه حد; فليس مما يعان عليه; ولأن فساده مع من يتعلق بها الحد، فتركه معونة على ما لا يحل.

واختلف في السفيه تكون له الابنة: هل له أن يزوجها ، أو المشورة دون العقد، أو لا يكون له في ذلك عقد ولا إذن؟

وذلك راجع إلى حال الأب، فإن كان له عقل وميز ودين إلا أنه غير ممسك لماله، فرب سفيه تجوز شهادته- كان هو الناظر لابنته، فمن حسن عنده زوجها منه قبل البلوغ، وكان له أن يجبرها على ذلك.

ويستحسن مطالعة الوصي، وإنما كان التزويج إليه; لأن الوجه الذي حجر عليه غير الوجه الذي بطلت منه الآن.

وإن كان ناقص التمييز كان النظر في عين الزوج ومن يحسن لابنته- إلى الوصي، فمن حسن عنده زوج منه وإن لم يرضه الأب، ولا تزوج إلا بعد البلوغ، والاستئذان منها كاليتيمة. [ ص: 1808 ]

ثم يختلف فيمن يتولى العقد حسب ما تقدم في ولاية الفاسق والسفيه، فمن منع منهم ولايتهم جعل النظر إلى الوصي والعقد إلى الأب، فإن كان الأب فقيد العقد لم يكن له نظر ولا عقد، وقد وقع في "كتاب محمد " في هذه المسألة اضطراب. والفقه فيها ينحصر إلى هذه الوجوه.

وإن بادر الأب بالعقد في الموضع الذي يمنع منه لنقص تمييزه لم يعجل في ذلك بطلاق حتى يختبر ذلك، فإن كان إمضاؤه من حسن النظر أمضاه، وإلا فرق. وكذلك إذا كان سفيها لم يضرب على يده، وليس في ولائه، فإنه ينظر في عقده ذلك إذا كان عقده بالإجبار، فإن كان فيه حسن النظر أمضاه وإلا رده ولا يمضي فعله، وذلك بخلاف أفعاله في ماله; لأن عقد الأب على ابنته فيه معنى الوكالة لغيره، ولا يصح أن يكون وكيلا لغيره من لا يحسن النظر لنفسه.

التالي السابق


الخدمات العلمية